أوراق الحب والاستعبَاد (1)
طارق عميرة
أوراق الحبْ , والاستعبَاد
الوريقة الأولى
خبر في صحيفَة كبرَى
بتاريخ : 8/5/2008م
كتب : ياسر صلاح من القاهرة :
تم الأمس القبض على أحد المطلوبين لأجهزة وزارة الداخلية , وهو عبدالله رشاد الذي يعمل مهندسًا في إحدى الشركَات , فرغم أنّه حديث التخرّج ويعمل بشركة مرموقة إلا أنّه اختار طريقَ الجريمة والشغب لتحقيقِ مآربه الشخصيّة وأهدافه الدنيئَة التّي تُعارض مصالح البلاد , يُذكر أنّه من ابرز من نظمّوا لاضراب السادس من ابريل والذّي صاحبهُ الكثير مِن التخريب في الممتلكات العامّة والخاصّة والذي تسبّب في مقتل واصابة العشرات وأدّى الى تدمير بعض المصالح الحكومية مما أدّى الى الاحتكاك بقوات الأمن التّي تعاملت مع المخرّبين بحزم , كما أنّه من دعَاة اضراب الرابع من مايو الذي أفشلتهُ ما بذلتهُ الحكومة من جهودٍ للحفاظ على ما تمنحه للمواطنين وزيادته , تم ضبط المتهم اثر بلاغٍ الى اللواء "...." والذي سارع الى موضع المتهمة تصاحبه قوّة من الشرطة وبصحبة العقيد "....." والملازم أوّل "....." , وما زال البحث جاريًا عن بقيّة المخرّبين .
***
دمعَت عيناهَا وهي تقرأ الصحيفَة . قالت في نفسها لقد صار عبدالله مخربًا !! , اسرائيل أيضًا تقول على الفلسطينيين المخرّبين ! , عبدالله ليس مخربًا ابدًا , هو و من مثلهُ أبطالٌ حتّى يتحملّوا هذَا في سبيلِ الوطَن , تذكّرت كلماتهُ لهَا حينَ قالت :
- لا نتيجةَ لمَا تفعلون .
- من قالَ هذَا , ان كانَت نتيجتنَا الوحيدة أنّنا نجعلُ الوضع لم يصل بعدْ إلى أسوأ ما يمكِن فهذهِ نتيجةٌ باهرةٌ في قيمتهَا !
حقًا إنْ لم توجدُوا وتعذبّوا من أجلنَا لكانَ الوضع أسوأ بكثير , إنّ نسبةَ الأحياءِ ما زالَت كبيرةً على أيّة حال .
هذهِ هي المرّة الثانيَة التي يحدّدان موعدًا للزفَاف ويُفسدهُ الأمن , ربّما يخرج عبدالله قبل منتصف الشهر , ولكنّه احتمالٌ واه , ستسحب دعوتهَا للمرّة الثانية , لم تغضب منهُ , فقط من بينِ دموعهَا , ابتسمَت ابتسامة حزينَة .
***
قال العميد : ألا يريد الاعتراف ؟
قال الملازم : ومنذ متى أرَاد !
قال الأمين : هذَا ما وجدنَاه في ملابسه , ربّمَا تجدُ فيهِ شيئًا هامًا , محمول , خطاب , بطاقة شخصية وبطاقة صرف آلي , بعض الكروت الشخصيّة لمطاعم أو فنادق أو أشخاص لا علاقة لهم بمجالِه .
قال العميد : أعطني الخطاب إذن .
***
الوريقة الثانيّة
خطاب من شروق إلى عبداللّه
مرحبًا
كيف حالك ؟ أتمنّى أن تكون بخير , لا تتعجّب من خطابي هذَا فأنت تعلم أنّني أرتاح في الكتابة عن أي شيءٍ آخر , يعتبرهَا الآخرون قد أصبحَت من أدوات التخلّف , بينمَا لم أتخلّص أنَا من سحرهَا بعْد .
اليومَ انتهَت خالتِي من تصميم فستَان الزفّاف , أثقُ بأنّه سيعجبكُ كثيرًا , سيجعلَك هذَا أسيري بدلا من أن تظل بعيدًا عنّي كل هذَا الوقت بحجّة العملِ من أجل الوطَن , أحيانًا أشعُرُ بالغيرَةِ من هذَا الوطن , ولكنْ ما ساعدنِي على تغلبّي عليها هو أنّني أحبّه مثلك , ولكنّني أبني فيه بيدي بعيدًا عن طرقك المباشرة والشائكَة والتي تعلمُ تمامًا أنّها تعرضّك للخطَر .
وفقّك الله أيًا كانَ طريقُك ولكنّني لن أفرّط في حقٍ من حقوقي , اعتبرهُ نوعًا من الاشتراط , أو نوعًا من الدلال , ولكنّني أعلم يقينًا بأنّك لن تقصّر في حقي أبدًا
هذَا هو ما عجزَت عن قولهِ لكَ بلسانِي , هائتذَا تقرأه ..
أحبّك
شروق في الحادية عشرة مساءًا
2/5/2008م
***
قال العميد : اسمهَا رائع , وخطَابهُا كذلك !
قال الأمين في هيَام : وأسلوبهَا .
قال الملازم زاجرًا : أسلوبهَا ؟ وهل سنحبّها ؟ هل يمكن استغلالهَا للضغطِ على هذَا العمِيل ؟
قال الأمينُ في غبَاء : أيُ عميل , لا عملاءَ هنَا
قال الملازم في ثورة : هل يمكن استغلالُهَا؟؟
قال الأمين : بالتأكيد , ولمَ لا.
***
الوريقةُ الثالثه
محضر تحقيق نيابَة أمن الدولة
المتهمّة : شروق حسن مصطفى
س : ما هي علاقتك بالمتّهم ؟
ج : زوجي وقدْ كانَ زفافنَا بعد أسبوع.
س : ما الذي تعرفينهُ عن المتّهم ؟
خارج المحضر:
هي : أقولُ لكَ زوجي , هو يعملُ مهندسًا
المحقق : بروح أمّك , نعلمُ أنّه مهندس , أتكلّمُ عن أنشطته السياسيّة
هي : لا أعلم اي شيءٍ عنهَا , فقط كل ما اعملهُ أنّه يدافع عن فقراءِ هذَا الوطن ولستُ اعتقدُ أنّ هذا مخالفٌ للقانُون
صفعةٌ على وجههَا
صوت المحقق : وهل ستعلميننا كيفَ نعمل ؟
ج : هوَ يرى أنّ من حقهِ الدفاع عن الوطن .
س : ولكن هناك رجال شرطةٌ وجيش وغيره , فليؤدّ عمله كمهندس , ثم أنّه متهمٌ بالتخريب وأنت مشتركةٌُ معه ؟
( يتم مواجهتها بالخطاب )
خارج المحضر :
هي : اذا كان يخرّب شروركم فهو مخرّب بالتأكيد
صفعة أخرى
ج : أعترفُ بأننّا من أجرنّا أشخاصًا ليقودوا مسيرَات التخريب تلك .
خارج المحضَر :
هي : ما الله بغافلٍ عنكم , ما الله بغافلٍ عنكم
صفعة أشدّ
***
الوريقة الرابعَة
من مذكّرات عبداللّه رشَاد
10/5/2008م
مللتُ هذهِ التحقيقَات , منذ ثلاثَة ايّام وهم لا يكفّون عن استجوابي واتهامي بأننّي مخرّب , لغتهم هنَا التوحّش والعنف , يندر أن تجد محترمًا , هنَاك العسكري عصام الذي يحرس زنزانتي , يأتيني بالماء من آن لآخر مخالفًا القواعد وكذلك جاء لي بقلم وبضعة أوراق ومصحف صغير , هذا هوَ الضوءُ الوحيد هنَا , لا أعتقد انّه يفعل هذا من أجل المال فهو يعلمُ أنّهم جردوني من مالي قبل أن أدخل هنَا .
ضرباتُهم مؤلمَة , هؤلاء الأوغاد , أنا مخرّب , سليمان الحلبي كان مخربًا حينَ قتل كليبر , كل من يدافع عن حقّه في الحياة مخرّب , هذه سياسةُ ليست بجديدة فالحقيقة أنّنا نخرّب مصالحهم بشدّة , لن يقتلونا , لن ينهبونا أكثر من اللازم ولا أدرى ما هو هذا اللازم لأنّه لم يعد من ثمّة شيءٍ يُنهَب .
شرُوق كانَت هنَا , واعترفَت عليّ , الضابط يقول هذا وعليّ ان اثق في كلامه , لا أدري باي شيءٍ اعترفَت ولكنني أدرك أنّها لم تعترف , ولا أدري ما الذي جنيته ولكنّني سأعترف به , لقد دخلت شروق اللعبَة ولا بدّ ان تخرَج منهَا , كان عليّ أن أتوقّع هذَا , هذهِ اساليب شيطانيّة لا يمكن لبشرٍ سويٍ أن يتبّعهَا , لا بد من الختم الابليسي الشهير في اسوداد وجهه وجحوظ عينيه وقسوتهمَا والابتسامة الساخرة الأنيقة التي تدلّ على أنّه - تابع ابليس - مهرّج بينما يظن هو نفسه خبيثًا ذكيّا !
لا أعلم لماذَا أكتب هذا هنَا فأعلم أنّهم لن يسمحوا بخروجه أبدًا ولكن لم أدر ماذا أفعل بالأوراق , ربّما هي رغبتي فيمن يؤنس وحدَتي وإن كانَت مجرّد كلمات
لا أعلم كم سأمكثُ هنَا , ربّما أُعدم بأحد تلك القوانين التي لا يفهمُهَا أحَد , ربّما اسجنُ لدهر , ربّما أخرج بالغد , كل الخيَارات متَاحَة ولكنني سأختار أيّها مقابِل أن تخرج شروق من هذهِ اللعبة !
موعد كهربَاء الخصيتين بعد دقيقة واحده
لأنهي هذا إذن !
***
الوريقة الخامسَة
على شاهد قبْر المرحومَة
شروق حسَن مصطفى
1985-2008م
حبيبتي ..
لا أعلم ماذا فعلوا بك , ولا كيفَ انتهيتِ
ذهبتِ إلى حيثُ يذهب الشهدّاء والقدّيسون
ذهبتِ ضحيّة لقضيّة لم تتبنّها
ولكنّ كل من ذهبُوا عبرهَا شرفَاء
فلتكونِي مع الشرفَاء
وأنَا سأكمل مسيرَتي التّي وعدتك ..
ها قد ذهبتِ
فأي شيءٍ سأخسرُ بعدكِ؟
عبدالله
- تمت -