Tuesday, February 20, 2007

الذين صمتوا !



خلع معطفه وأشعل التلفاز وجلس يتأمل المذيعة البلهاء على الشاشة .. بابتسامتها الدائمة وكأنها تتلو خطاب السيد الرئيس الذى يهدد الأعداء فيه , يشعر أنها متحمسة ولكن لا يدرك لأى شيء , كاد يحول القناة الى قناة أخرى عندما جاءت صورة الأقصى وأمامه شخص يصرخ محركا يديه بعصبية وعنف .. تجمدت يده على زر التحويل وسرعان ما انتقلت أصابعه الى زر الصوت .. أخذ يرفع الصوت والمذيعة تتحدث .. تتحدث عن مهاجمة الأقصة مرة أخرى .. وهو يرفع الصوت غير مصدق ..حتى وصل الصوت الى اعلى مداه .. يكاد يصم الآذان ويسمع المارة بالأسفل ولكن يبدو انه لم ينتبه ..فقط ظل ينصت .. ينصت للهول الذى تقوله المذيعة التى انتهت ووضعت أوراقها .. وقالت بذات ابتسامتها البلهاء :- نعود بعد فاصل اعلانى قصير !
شعر بالاختناق .. يقولون أنه عصبي لكنه لم يشعر بهذا حتى وهو يقوم ويتشبث بالشاشة يستنجد بها أن تنقل له الصورة مرة أخرى , ولم يشعر أنه عصبي كذلك وهو يمسك بالتلفاز الكبير ويرفعه ويلقى به أرضا للتناثر قطع بلاستيكية وزجاجية منه فى جميع الجهات , يهدأ قليلا فيفكر فيما رآه .. المذيعة البلهاء كانت تبتسم .. أتراها كانت مزحة ؟ كلا , هذه نشرة الأخبار الحقيقية .. ربما لا تشعر بما تقوله ؟ أم ربما يكون مسجد سيدى متولى بنهطاى قد تم تغيير اسمه الى المسجد الاقصى وهو ما يحدث به هذه الأحداث ؟ ازداد شعوره بالاختناق .. تطلع الى بقايا التلفاز الذى كان كبيرًا منذ قليل .. بصق عليها بشدة ..وارتدى معطفه ومضى ..

***
على المقهى يجلس ..يمسك بالنارجيلة ويجذب نفسًا منها , يبدو له دخانها مسومًا .. سم يتغلغل فى صدره وفى عروقه , ربما هى سموم الحسرة , عبقرى من اخترع أداة السم هذه , يمنحك الانتحار لى طبق ذهبي , تستمتع بالحياة ودخان النارجيلة معًا عالما أنها تقتص من عمرك شئت أم أبيت ولكن ماذا يفعل ؟ الشاشات الفضائية تعرض الأمر بحماسة غير عادية , حرمات الأقصى تنتهك .. حرمات الأقصى تنتهك .. ولا يوجد رجل يقف فى وجه المعتدين , الآثمون أيديهم ملوثة بالغدر والدم فبماذا ستتلوث أيضًا ؟ما انفك الجميع يتحدثون .. لبيك يا أقصى .. لبيك يا أقصى.. ولكن يبدو أن الأقصى أكرم من الجميع فأبى أن يدافع عنه احد وآثر الدفاع عن نفسه بنفسه فلا ترى أثرا لملبي , الأقصى .. قضية كبيرة . ربما أخذت أكبر من حجمها .. يجب أن يتم منع اذاعة أن هناك أقصى من الأساس حتى لا ننفعل معه , هناك من يموت بأزمات صحية عندما يعلم بهذا الأمر .. أهذا ما يريدوه لنا , أن نموت جميعا بمثل هذه الأزمات ؟لا شيء نفعله حيال الأقصى , الشعور بالعجز يخيم على الجميع , ربما صمت الكبار أدى الى تحجيم الصغار , الكل متورط , والكل يعلم النتيجة مسبقًا , فعلام الحزن ؟ هذا متوقع منذ تورط الأوغاد للمرة الأولى موقعين على بيع القدس التى أبى الشرفاء بيعها , فلنعترف معًا بجمهورية الطغيان , فلنعترف ولو كان اقصانا فى اراضيهم , ألم يريدو الأقصى ؟ فليأخذوه .. ويريدون يثرب ؟ فلينالوها ..اللعنة على هذه النارجيلة , لماذا كفت عن ضخ السم فى عروقه ؟ , يبدو أن وقودها قد انتهى .. بعض السعال وبعض اللعنات تنهال عليها وعليهم .. يلف خرطومها حول الحديد المؤذى , ويسعل مرة أخرى وهو يقسم فى أعماقه بأن لا يعود اليها ثانية ما دام مذاقها كريها هكذا , ولكنه يعرف انه سيعود , يقترب منه رجل طاعن فى السن ويجلس بجواره ويقول :-- الخونة .. العملاء .. الله يرحم أيام ما كان الواحد فيه صحة .. لو فتحوا باب الجهاد والنعمه لأروح من بكرة ..ألا تريد الجهاد أنت أيضاً؟يتأمل العجوز فى صمت ويخرج من جيبه بعض الورقات ويضعها على حافة النارجيلة ويقوم وهو يبصق ويقول :- - ليعطنا الله الصحة !

***
والآن يري نفسه يتقدم نحو الأقصى .. بيديه مدفعين رشاشين يبيدان جند الصهاينة من حوله , وعلى الأرض مئات الجثث بل الآلاف منها من ضحاياه , انه البطل , صلاح الدين الجديد الذى قتل راس الأفعى وداس على قلب الكتلة الصهيونية فشل حركتها , يتقدم ويطلق رصاص مدفعه على القفل الذى يزين الباب العملاق الخارجى للمسجد لتتناثر أشلاء القفل ويبقى الباب مفتوحًا الى ما شاء الله .. هيه , أخيرًَا حرر الاقصى بعد كل هذه السنين من الحصار والقتل والاعتثال والذل والقهر , المواجهة كانت دامية ولكنه قام بجزء كبير منها , الليلة ستعرض الفضائيات العالمية مشهد الرئيس الصهيونى وهو يموت برصاص مدفعهيفيق , آه .. يا ليت ما يشعرنا به الحشيش حقيقي .. الأحلام المترنحة الجميلة , لماذا وضعه المخدر فى هذه المواجهة رغم أنه يأخذه كل مرة الى عوالم ساحرة أخرى لا تمت للواقع بصلة ؟ , هل شعر المخدر بما يعتمل فى أعماقه فوضعه فى هذه المواجهة التى أثلجت صدره ؟ربماترى .. هل الأقصى هو الأقصى حقًا ؟ ومن احتل الآخر .. فلسطين أم اسرائيل ؟ يبدو ان القذافى كان محقًا حين قال ليجعلوها اسراطين ! , هل فلسطين على الخريطة ؟ ولو كانت على الخريطة فاين اسرائيل ؟ هل سيأتى اليوم الذى تكون فيه اسرامصر ؟ أسألة كثيرة حقًا !.. يبدو أن الحشيش له دور كبير فى تفتيح الذهن !

***
على سريره يرقد رافعًا بصره إلى السماء ينظر الى سقف الحجرة ..لا يدرى ماذا يفعل , التلفاز شاشته متناثرة على أرض الصالة , ولا توجد وسيلة أخرى لتسلية وقته ها هنا , لماذا لا يحدث شيئا لهؤلاء الصهاينة ؟ , ألا يستطيع أحد فعل شئ حقًا ؟ أهم أقوياء الى هذه الدرجة ؟أم أنهم لا يريدون فعل شيء ؟ .. جيد .. توصلنا الى أنهم لا يريدون فعل شيء ..
السؤال التالى , لماذا لا يريدون فعل شئ ؟ هل كل هذه الدماء رخيصة عليهم إلى هذا الحد ؟ هل الأقصى هين الى هذه الدرجة ؟يبقى السؤال معلقًا ولا اجابة له , هناك اجابة واحده لكنها قاسية الى حد لا يمكن تخيله , قاسية الى حد مخيف , ولكن يبدو أنها الاجابة الصحيحة ما دام الامر ممكنا ولا يوجد أى نفي له ولا يوجد سبب آخر ,
لا بد أنهم قبضوا الثمن ..
انتفض عن سريره عندما جاء هذا الخاطر .. وكأن روحه قد بثت فيها الحياة مرة أخرى , الآن يعرف ماذا سيفعل !

***
فى أروقة المبنى العملاق يسير , يتجول بين العسكر والثياب السوداء المحيطة به , تائه لا يعرف ماذا يفعل , تائه العقل والقلب والبصر , يتوجه الى القاعة التى يعلم أنه سيجد ضالته بها , يدخل بينما القاضى يستمع الى أحد الأشخاص .. يقلب صفحات الملف الأصفر الذي تزين واجهته صورة لقبة الصخرة , يتأكد من أن كل شيء على ما يرام ويجلس منتظرًا يستمع الى بشاعة القضية المعروضة , دقائق قليلة .. شعر أن أنفاسه ليست على مايرام وأنه لن يخرج من هنا كما دخل , قواه تضعف شيئًا فشئ , ولكنه لن يستسلم حتى يفعل آخر ما يريده .
. قام بما أمكنه من قوة وتوجه ببطىء نحو القاضى .. الدفاع يتكلم ولكنه لا يأبه , العسكر يتدخلون ويمنعونه , القاضى يتابع حركته المتعثرة ويرى حالته
يشير إليهم أن اتركوه , يكمل طريقه ويصل الى القاضى ويضع فى يده الملف الأصفر .. لا يستطيع التفوه .. القاضى فطن ففهم ما يريد .. سأله :- ضد من ؟
أجاب :-- الذين صمتوا !

***

وفى أحد المكاتب الصغيرة فى المحكمة كان هناك موظف صغير يطالع الملف والأصفر لتصنيفه , وفى الصفحة الأخيرة وجد العبارة المألوفة له :- قضية منتهية لموت أحد أطرافها !يبتسم الموظف وهويقول فى نفسه :-- ولو لم يمت .. لحفظت حتى مات !
-تمت -

Saturday, February 03, 2007

قمر المحيط




فى البداية هذه أولى حلقات فكرة مشتركة بينى وبين شخص آخر لم يفصح عن نفسه بعد .. أو بمعنى أدق لم أجده للاستئذان فى افصاحى عن اسمه بمدونتى .. يمكن القول أن العمل كتابة طارق عميرة وفكرة ....! فقط !

على المقهى ..
على المقهى أجلس دائمًا , ليس لأننى عاطل , ولكن لأن مقهاى ليس كأى مقهى , وهو ككل مقهى , لا يجلس عليه أحد , ويجلس عليه الجميع , لهذا يتميز مقهاى عن كل مقهى , فلا هو ردىء , ولا هو أحسن منها , فقط جميع ضيوف مقهاى غرباء , ليسوا غرباء الوطن فقط , ربما غرباء العالم كذلك , والأغرب .. ربما غرباء عن الحياة ذاتها !

قمر المحيط ..

كعادتى , أجلس على المقهى الآن أحتسي قهوتى المفضلة وبيدى الأخرى أتصفح ورقة جريدة وجدتها تحت قدمي تتحدث عن تفاهة اهتمام الناس بكرة القدم وتنصحهم بالاهتمام بكرة السلة !!
الموعد كالعاده , مرت ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل ,وأنا جالس على مقعدى المفضل الذى يستند الى قطعة الجدار الخارجية التى تفصل بين بابى المقهى أتابع الرواد غريبي الوجوه والأطوار يدخلون ويخرجون وأتحمل اصطدام بعضهم بي والذى يخرج مسرورا من تأثير الجلوس ولا يلحظ وجودى فى الظلام ثم لا يلبث أن يعتذر ويمر فى طريقه , بينما أنا لا أعيره انتباهًا فقد اعتدت على هذا على أية حال.
من بعيد يأتى ذلك الرجل جاحظ العينين متناثر الشعر بذقنه التى تبرز منها شعيرات تشي بحلاقتها منذ أسبوع على الأكثر ووجهه الذى يبدو بياضه واضحًا رغم الظلام الذى يلف المكان , ورداؤه الغريب فى زمننا هذا والغير غريب على مقهانا هذا , يرتدى زيا أسود ,بذلة سوداء , قميص أسود , رباط عنق أسود , ساعة سوداء القلب والمظهر , حذاء أسود قفاز أسود , وأعتقد أن هذا هو ما يمنح وجهه هذا البياض !
هو يأتى فى أيام متفرقة , لا أدرى ما وظيفته ولكنه يأتى دائما عابسًا , واليوم فقط كان هو اليوم الأول الذى أراه مبتسمًا فيه , جاء وجذب مقعدًا وجلس الى المائدة الصغيرة أمامى , بعد قليل أتاه ثروت فأملاه ما يريده وعندما ذهب ثروت جلس الرجل يتأمل مع نفسه قليلاً قبل أن ينظر لى , فعرفته أنه من ذلك النوع , النوع الذى تجده دائما بجوارك فى القطار ودون أن تعرفه تجده يبادرك الحديث فى أول فرصة ثم يبث همومه فى أذنيك وأنت تتعجب وتلعن فى أحوال من ظلموه وتلعنه فى أعماقك , الدافع الغريب الذى يجعل سائق التاكسي يلتفت اليك ليحكى لك عما يعانيه من مشاكل وتهبط أنت وأنت تفكر أنه يفعل هذا ليحصل على أجر كبير لتكتشف فى النهاية أنه يعيد لك جزءا من مالك ويخبرك بأن أكثر من حقه , لقد فقد الناس الثقة فى الفضفضة مع أقربائهم فصاروا يبحثون عن أول عابر لا يعرفونه ليثقلوه بما يحملونه من الهم والغم , على أية حال اعتدت على هذا فحكاياتى كلها أعرفها بهذه الطريقة , كان هذا الرجل من ذلك النوع لذا فقد بادرنى بالحديث :-
- هل طلبت شيئا لك ؟
هذه هى مبادرته الأولى اذن فلم يجد أى سبب آخر ليبدأ الحديث , تجاهلت طلبه فهو يرى كوب القهوة فى يدى ويبدو لى أن بصره حاد وأن الظلام ليس دامسًا الى هذا الحد لهذا أجبته اجابة غريبه بعض الشيء :-
- نعم , تبدو مسرورًا اليوم على غير عادتك ؟
هكذا كانت عبارتى الأولى له والتى تحمل استفسارا فى الوقت ذاته حتى لا يضيع الوقت فى التعارف وحده , نظر لى فى تعجب نظرة طويلة , بينما أنا أبتسم ليدرك أننى أتابعه وأعرف عبوس وجهه فى كل مرة و سرنى كثيرًا أنه فهم مبادرتى وكان عمليا بما يلزم فلم يسألنى أسألة من نوع , كيف , أين ؟ , هل تعرفنى ؟, بل قال على الفور :-
- بالفعل , لقد اقتربت للغاية من تحقيق ما أحلم به , أنت تعلم أى سرور ينتابك حين تقترب من تحقيق هدفك الى حد لا يصدق , حين تدير شركة تعمل بها وانت فى الثلاثين من عمرك وتعلم ان العمر امامك لامتلاكها كما حلمت دومًا , حين تخبرك حبيبتك التى تعشقها دون أن تخبرها أنها تدرك شعورك نحوها وتتركك مبتسمة , أو حين تتيه ليال طويلة باحثا عن عزيز فقدته سائلاً عنه كل من يمكن أن يعرف طريقه ليخبرك أحدهم انه بالمنزل الذى على ناصية الشارع !
شعور مفهوم تماما ما يتحدث عنه , الاقتراب من الحلم , ولكن الأمر دائما ليس جيدا , الطالب المتيقن من أنه على مشارف الامتياز ليفاجىء برسوبه , معظم الحبيبات يبتسمن لأن هناك من يحبهن وليس لأنهن يحببن !, قد يكون الرجل فى المنزل على ناصية الشارع ميتًا أو مات لحظة السؤال , هذه أمور تحدث دومًا , لم أرغب فى مقاطعته فهو سيكمل وحده على أية حال , جميعهم يفعلون هذا عندما يجدون من ينصت , ولكن الكارثة فى أنهم عندما يفعلون لا يأتون فى المرة التالية أبدًا خشية أن تكون بيننا صداقة ما وهو أخبرنى بما لا يرغب أحد فى معرفته ! , وكما توقعت انتظر قليلا ليرى ردى وعندما لم يجده أكمل هو :-
- منذ أعوام طوال وأنا أدرس , أدرس العلوم والأسماك , وبيئات الأسماك , البحار والأنهار والمحيطات والبحيرات , أدرس تأثير الاضاءة والرمال , المياه المالحة والعذبة , الكائنات البحرية الغامضة والعملاقة , ظروف تواجدها , طعامها , حياتها ,تعلمت الغوص والسباحة , جلبت أحدث الأجهزة التى يمكنها رصد البحار والمحيطات , وأنفقت كل ثروتى على أجهزة يمكنها استكشاف الأعماق ..
- هناك الآلاف يفعلون ذلك , فلماذا تضيع ثروتك على هذا !؟
- أنت لا تفهم , عالم المحيط غامض , لم يستطع أحد اكتشافه قط , الضغط عنيف للغاية بالأسفلورغم هذا ففى البحار أكتشفت آلاف الثروات , لست بهذه التفاهة حتى أبحث عن ثروة مفقودة أو ذهب تركه الغابرون , ان الانسان لا يريد أكثر من طعام يومه وهو أمر بسيط للغاية ولكن جامعى الثروات والبخلاء لا يقدرون هذا حتى يموتون ويتركون ما جمعوه خلفهم لمن تعلم الدرس لينفقونه كما يشاؤون ! , أنا أبحث عن شيء مختلف , مختلف تمامًا !
هذا الهراء مرة أخرى , هو لا يبحث عن الثروة ولكنه يبحث عن مصباح علاء الدين ليخرج له الجنى ويجعله ملكًا على الارض لمدة سبعة آلاف عام ثم يجرده من ملابسه ويتركه فى الشوارع متسولاً يتساءل عن ملكه !
- وما هذا الذى تبحث عنه !؟
غاصت عيناه فى عالم آخر , لا بد من أنه عالم البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات وحمامات السباحة الذى يتجدث عنه وأكمل حديثه :-
- لا أدرى هل ستستطيع فهم ما سأخبرك به أم لا , الأمر معقد ويطول شرحه ولكن سأحاول تبسيط الأمر لك الى أبسط أحد , بالتأكيد قرأت الكثير عن علوم الفضاء وشاهدت الكثير من الأفلام الخيالية ورأيت بعض الأفلام التسجيليه وتعرف بضعة معلومات صغيرة عنه , ان الخيال عادة ما يتضح كونه حقيقة فيما بعد , والوحوش الفضائية التى تراها فى الأفلام أنا على يقين بوجودها , تعلم أنت الحوادث القليلة لرؤية أطباق طائرة والكارثة التى حدثت فى روزويل , صحيح أنه لا شيء غير مؤكد من كل هذا ولكن من قال بأننا نعلم كل شيء ؟
وكما ترى فان الخيالات القديمة قد تحقق معظمها حاليا فما الذى يمنع أن نكون على درجة من التطور تسمح لنا بملاقاة وحوش فضائية !, لست هنا لأشرح لك محاضرة عن التقدم العلمى وأعلم أنك تعتبرنى معتوها فى أعماقك فما الذى اتى بعالم الماء الى عالم الفضاء ولكن استمع لى حتى النهاية وستعرف ..
كان ما يقوله حقيقيًا ولكنى عملت بنصيحته وآثرت الصمت حتى ينتهى من حديثه بينما يكمل هو :-
- النقطة الثانية هي بالتأكيد تعرفها , الضغط فى الفضاء , وتأثيره على الطبيعة البشرية , والذى يؤدى الى هلاكها فى ثوان اذا ما تعرض له بشري من شدة الضغط وهو يؤدى الى تفجر العيون وخروج الدماء من فتحات الوجه الى آخر هذه الأعراض المقززة , أما النقطة الثالثة فهى السباحة فى الفضاء , هناك أوساط ثلاثة يمكنك السباحة فيها بذات الكيفية .. الفضاء وان كانت الحركة فيه سلسة أكثر من الوسطين الآخرين اللذين هما الماء والرمال المتحركة , لا مجال للرمال المتحركة هنا ولكن هل ثمة تشابه بين الماء والفضاء ؟
ترك تسائله معلقًا بينما جاء ثروت بما طلبه منه الرجل ووضعه أمامه ثم ابتعد بمشيته المترنحة البطيئة فتناول الرجل رشفة من كوب يحوى سائلاً ما بينما أنا أتطلع عليه منتظرًا أن يتم ما يقوله ولم يخيب ظنى فقد أكمل مباشرة :-
- بالتأكيد هناك تشابه كبير ., دعنى أوضحه لك ان لم تكن قد لاحظته , الوحوش البحرية , هذا ما جعلنى أبدأ بالوحوش الفضائية , الغموض يلف الاثنين , هناك وحش لوخ نس الذى لا يعرف أحد شيء عنها , هناك آلاف المشاهدات الأخرى لأشياء غريبه , هناك كذلك مثلث الشيطان ومثلث برمودا الغامضين وهناك الفجوات الفضائية الغامضة وكلتاهما لا يوجد تفسير عملى لأحدهما حتى الآن , وهناك أيضا الضغط الشديد كلما هبطت الى قاع الماء وكلما صعدت أكثر فى السماء حتى تصل الى الفضاء الخارجى ودرجة الفناء أو الى قاع المحيط ليمزقك الضغط , وهناك السباحة فى الفضاء الخارجى والسباحة فى الماء بذات الهيئة , هذا نقاط تشابه شديده بينهما ..
قاطعته قائلاً وقد تجلى الهراء لى فيما يقوله :-
- انتظر, هى ليست شديدة الى هذا الحد , الوحوش نقطة غير مؤكده , هناك احتمال كبير لا بأس به أبدًا أنها هراء وهو ما أميل اليه , ان النصابين كثيرون كما تعلم ولا مانع من ان يكون الالاف هؤلاء جزءا يسيرا منهم اعتادوا أن يكونوا أفاقين كذابين !, ومثلثات الغموض التى تتحدث عنها صار العبور منها آمنا الى حد ما الآن وكان فيها نجاة كثيرون , اما الضغط فشتان بين ضغط يحافظ على الجسد ويلعب بوظائفه وآخر يشعرك بالانطباق على نفسك , دعك من أن السباحة فى البحر تبدأ من مجرد لمسه بينما لو حاولت الوثب من نافذتك لتسبح فأنت تعرف عنوان أقرب مستشفى للعلاج فيه !
رمقنى بنظرة غاضبة , ان معنى ما اقوله له هو اتهام صريح بالنصب والتفاهه او على اقل تقدير هو يضيع الابحاث التى أجراها فى السنين التى ذهبت من عمره , قال :-
- طلبت منك أن تنصت لى حتى النهاية , ثم تقول رأيك , ببساطة هل يمكنك هذا أم لا ؟
- نعم !
- حسنا دعنى أكمل إذًا!
قالها وهو يتطلع الى فى لحظات ليرى ان كانت تعبيرات وجهى تدل على ان انصاتى نتيجة لتسلية وقتى أم اهتماما بما يقول وقد نجحت فى رسم الاهتمام الى حد جعله يكمل بعد أن شرب ما فى كوبه دفعة واحده :-
- نظريتى تقول أن هذا التطابق يستحيل أن يكون عبثيًا , هناك شيء ما !, نقاتط اتصال الماء المتصل فى رقعة واحدة ونقاط اتصال الفضاء المتصل أيضا , صحيح أنه هناك فارق شاسع فى الحجمين ولكن باعتبار أن الأعماق عالم مصغر من الفضاء , هكذا فكرت وهكذا كان مجال بحثى , الفكرة الأكثر تهورًا التى دارت بعقلى أنه ما دام الأمر كذلك فان الجزر فى البحار كالكواكب فى الفضاء مثلاً , وكما تدور الكواكب فى الفضاء فان العلم أثبت دوران الجزر بحركة ولو بطيئة فى المياه ..
ولكن الكواكب فى الفضاء تدور حول نفسها .. وحول الشمس , فحول أى شيء تدور الجزر ؟ كان هذا السؤال يلح على عقلى كثيرًا , بالتأكيد هناك شمس فى الأعماق تدور حولها الجزر من الجانبين !, أو قمر , أو أى شيء آخر , فلا تخبرنى من فضلك أن هذه الجزر تدور حول نفسها فقط والا كانت مخبولة !
هذا دورى للرد , لقد جن الرجل تمام ويبدو أنه قد انتهى من كلامه أخيرًا , لهذا فقد قلت جملة واحده من كلمتين :-
- هذا هراء !
على غير عادته فوجئت بابتسامته هذه المرة دون غضب أو انفعال وهو يقول :-
-منذ ايام صنعت لنفسي غواصة تقاوم الضغط , صنعتها من بعض المواد التى لا أدرى ماذا يطلقون عليها هنا ربما لو اطلقت عليها البلومات أو البحرستيوم أو أى شيء من الهراء العلمى والاسامى التى تعقد الدارسين لكان هذا اسمها الجديد ولبرزت كمادة جديدة !, ركبت فى هذه الغواصة وجبت بها الاعماق عدة ليال .. وبالأمس فقط .. رأيت الوحوش هناك وحوش رضيعة لا يعدو حجم أحدها على اصبع صغير لديك .. ولكن الاحجام العملاقة منها لا يمكنك تخيلها ! وكلها تدور حول ضوء عملاق فى الأسفل.. هذا هو ما ريته الليلة وسأعود لأثبت وجود قمر المحيط أو شمسه غدًا!
هتفت للمرة الثانية :-
- هذا هراء!
بدا الغضب جليا فى ملامحه هذه المرة على عكس المرة السابقة , وتطلع الى لحظات وهو يتمنى قتلى فى أعماقه وعيناه تحملان هذه النظرة الغاضبة ودون أن يقول كلمة واحده أخرج ورقة مالية وألقاها على المائدة أمامه بجوار بقايا ما طلبه وتركنى وانصرف , لم أتندم أنا على رد فعلى فهو يستحق , يبدو لى أنه مجنون كذلك فهل هناك عاقل يخبرك بوجود قمر ووحوش فى أعماق المحيط ؟
أكملت جلستى حتى النهاية ونهضت أخيرا وناديت على ثروت لأعطيه حسابه فأتى بعد نصف ساعة , أعطيته بضعة أوراق لا أدرى عددها وانصرفت ومكث هو يعدها قليلا ويعبث بشعره قبل ان ينتبه لأمر ما وينادينى, التفت إليه لأجده قادما بلففة سوداء صغيرة نحوى ويقول :-
- انتظر يا بك , لقد نسيت هذه هنا !
تناولتها منها , لم أنسها , بالتأكيد هى لضيفى الغريب , هل أتركها مع ثروت ؟ ان ثروت يتذكر اسمه بصعوبة ولو اتى هذا الرجل غدً فلن يجد أى معلومات عن ما فقده فى عقل ثروت أبدًا , آثرت الاحتفاظ بها معى حتى ألقاه مرة أخرى فى احدى المرات المقبلة لأعطيه اياها , عبث الشيطان برأسي , وكان تبريرى لنفسي لأفتح هذه اللفافة هو أن الوقت متأخر ودوريات الشرطة كثيرة وأنا لا أدرى ما تحويه اللفافة وهم لن يصدقوا أنها لرجل يبحث عن القمر فى المحيط حين يجدوها نوعا من المخدرات و الممنوعات !
هكذا فتحت اللفافة , وليتنى ما فعلت , اقشعر بدنى وانتصبت شعيراتى حتى الدموية منها ,بدا لى كلام الرجل صائبًا !, أتراه ترك اللفافة متعمدًا أم أنه نسيها , أتراها دعابة أم حقيقة , ما لأمر , لماذا أنا مرتبك الى هذا الحد , سأخبرك بما كان فى اللفافة حتى تعرف لماذا نا مرتبك !, كان بداخلها مخلوق صغير يتلوى !, مخلوق بحجم الاصبع ولو تخيلته ضخما !, لكان أشنع الوحوش !
- تمت -