Thursday, May 21, 2009

في حضرة رئيس مصر

أنَا ..ود.ايمن نور ..في حضرة رئيس مصر
من مذكرّات الفيس بوك

قبل أنْ أبدأ في سردِ دوري في الأمر علينَا أن نعرف اولاً من هو َ د. أيمن نور .. أيمن نور من تاريخهِ وتَاريخِ نضَاله لا من صحفهم وأقلام نعرف جميعًا كيف تكتب وكيف تسخّر لخدمة شيءٍ مّا أو شخصٍ مّا
قالُوا بأنّه جاءَ كممثل لأمريكَا ولأفكارها وإرادتها في مصر , قالتهُ صحفُ الحكومة التي لا تكف عن الانبهار بعظمة أوباما والثقافة الأمريكية..
قالُوا بأنّه موالٍ لنظام ويدٌ زائفةٌ جديدَة في سلسلة ديكُورَات مصر وإلا ما وافقَ على إنشاء حزبِه , قالهَا الشعبُ الذي ما زال يخضع تحت حكم نفسِ النظّام وسيظلّ..
قالوا أنّه مدعومٌ من الاتحادِ الأوروبي , مزورٌ في الاوراق وإلا فكيف سجنته حكومتنَا العادلَة ؟ , قالوا بأنّه خائنٌ للعهد طلّق امراتهُ بعد كل تاريخهَا في النضَال من أجله , قالوا وقالوا وقالوا ... وسيقُولون ..
د. أيمن نور من وجهَة نظري المتواضعَة رجلٌ يحمَل همومَ هذَا الوطن على كتفيهِ , منذ كان يقفُ في مجلس الشعب معارضًا مارقًا عن النظام هل كان يعلم بنبوءة ان معارضته ستجعل منه زعيمًا معارضًا وأن مبَارك سيعدّل الدُستور ليترشح رئيسًا للجمهورية ؟ إذن ايمن نور كان معارضًا - الطريف في الأامر أنني عرفتُ منه أثناء استضافتهِ لنَا - أنه من تقدّم بملف التعديلات الدستورية إلى المجلس !
أيمن نور كان مواطنًا مسئولاً لم يعجبهُ حال البلاد في وقت بلغَت فيه صلابة قيود الصمت أعتى درجاتها , ولا أكذب إذا قلت - كما لا بد وانكم تعرفون - أنه أحد أهم اسباب الحريات والانفتاح الفكري الذي يحدث الآن رغم كل ما تضعه له الحكومَة من عقبَات ..السبب بحديثه واستغلال حصانته في تحدي النظام علنًا لأول مرة أشهدهَا في حياتِي منذُ ولدتُ في عهدِ مبَارَك , المرشّح الأكبر والابرز والأهم والأكثر حزمًا في انتخابات الرئاسَة بينمَا راينَا الجميع يمسحونَ على ظهُور الحكومَة !
وعلى عكس الجميع , تم حبسهُ في قضيّة جنائية بطريقة مسرحيّة شاهدهَا العالمُ كلّه وراقب بعينيه من يخطون فصولها وهم يفعلُون ..
وكفصلِ ختامٍ لهذَا التقديم .. إذا كان د. أيمن مجرمًا فلماذا تركوه يحصد كل هذهِ الشعبيّة لتخرج فضائحه فجأة رغم كفاءة شرطتنا - الأولى - في التحريات وهو رجلٌ ذو مناصب حيوية والأدهى أنه معارض ؟ وإذا كان عميلاً لامريكَا فلماذا يعاني من حصارٍ امريكي لممتلكاته ولماذا يذهب جمَال مبارك إلى أمريكَا في مقابلات سريّة مع شخصيّات لو التقاهَا آخر لربمَا كان مصيرهُ الإعدام ؟ , أما من يقول أنه ذراعٌ حكوميّة .. فبهِ ارّحب علني أجدُ له مكانًا في دارِ المكفوفين ..

عندمَا خرجَ أيمَن نور من سجنهِ كانت معرفتي بالامر غريبة , هناك امرأةٌ حتّى الآن أرغب بشدة في معرفة من هي , كانت تجلس في البيجو الذي يقلنا إلى طنطا من القاهرة بالمقعد الأمامي جوار السائق , كان الجوّ ليلاً وسمعتهَا تتحدّث في الهاتفِ كثيرًَا .. أثارني أنها تتحدّث طويلاً وتناهيإلى مسامعِي عدّة كلمات من بينها إيهاب وجميلة وايمن طلعَ ..
التركيب الثلاثي للاسماء لا يعني سوَى أنّه د . أيمن نور .. هكذا سألتهَا فورًا .. هل تقصدين دكتور أيمن نور ؟ - قالت نعم .. ولم أزد بحرف .. فقط عندمَا هبطت من السيارة ارسلت رسالةً قصيرة إلى عبد المنعم إمام أمين منظمة الشباب الحر به ثلاثة كلمات : د. أيمن نور طلع !
قررنا ان نذهب لتهنئته , أنا واثنين من زملاء الحزب , تهنئته بالخروج ودعوته لزيارةٍ إلى مدينة طنطَا , كان هذا بعد عدّة ايام لم يجل هذا بخاطري فيها قط حتّى جاءت الفكرة ..
بحثنَا عن تليفون د. أيمن نور حتى وجدنَاه بصعوبَة - فيمَا بعد علمتُ أنّه مع نصف كوكبِ الأرض وكان ظننا قي صعوبة تداول رقمه انه سياسي هام وهؤلاء ِ - هأو - سلملي على أرقامهم ..
بعد عدّة اتصالات كانت المفاجأة .. دكتور أيمن نور ردّ اخيرًا ووَافقَ على اللقاء بل ورحّبَ بهِ بشدّة !
اتصلت بشهاب عبد المجبد رئيس جبهة الشباب الحر التي اتبعهَا حزبيًا واخبرتهُ بالتفَاصيل فرحّب بالفكرَة وذهبنَا أخيرًا
في البدايةٍ كان موعدنَا معه في مقر حزبِ الغد ولكنّ حدثّ تأخر وكنّا قد بدأنَا نشعرُ بأن هنَاك خدعةً في الامر , هكذَا جلسنَا على مقهى البورصة في وسط البلد نشرب النسكافيه حتى اتانَا اتصّال منهُ أخيرًا .. إنّه ينتظرنَا في منزلهِ بالزمَالِك ..
وفي الطريق حتّى وصلنَا إلى باب منزلهِ لم أكن مستوعبًا بعْد , فتحتَ لنَا الباب فتاة وأدخلتنَا إلى صالون منزله الفخم .. عدد من المقاعد تتوسطها مائدة صغيرة بجوارها مثلها وسط عدد آخر من المقاعد المختلفة , التحف تتنَاثرُ هنَا وهنَاك وأخيرًا اكواب الشاي التي جلسنَا نرتشفهَا في تؤدّة ..
لحظات الترقّب التي تبدو طويلة ..
والرئيس يأتي متكأً ببطء على درجَاتِ السلّم من آثار المرَض , ويصعد في بطيء وهو ينظر نحونَا مبتسمًا مرحبًا .. لم نكد نراهُ حتّى وقفنَا جميعًا , للحظَات وقفتُ انّا صامتًا ذاهلاً ثم هرعتُ نحوه اصافحه في حرارةٍ وأحتضنه ..
رمز الحريّة في مصر , رمز التحدي , أنا أقف أمام اكبر منادٍ بالحريات والحقوق في مصر , واكثر من أهينَ وتحمّل في سبيلهَا , من سجنَ تحملاً للتزوير ومؤسس حزب الـ... دعكَ من هذَا كلّه ..
أنا اقف امام رمز الرئيس الأول المختلف عن مبارك الذي رايته في حياتي , كم مرّة من العمر يحظى مواطنُ بشيءٍ كهذَا دون سابق معرفة ؟ تقريبًا في مصر ولا مرّة , هذا هو المفهوم السائد وما كان سائدًا لدي حتى التقيت أيمن نور
أيمن نور الذي اقنعني وانا اشرب الشاي في بهو منزله دون ان يتحدث في الامر بأن رجلاً بقوة منافسة الرئيس وحاصد الجماهيريات العالية مع كل التزوير والمقاطعة التي حدثت يلتقي المواطنين ببساطة شديدة وبابهُ مفتوحٌ دائمًا بلا ادعاءَات وهذَا عن تجربه , هكذا تغيّر احد المفاهيم السائدة لدي ..
و ..

جلسَ الرئيس وجلسنَا , هنأنَاه على سلامة الخروج , وتبادلنا حوارًا عاديًا عامًا عن شخصه و المناخ الحالي لمصر , تفاجأت بأخد زملائي وهو يخرج كتابي ناثر البخور من حقيبته ويعطيه للرئيس وبقول أهديه له كنت أعرف أنك ستنساه , كانت مفاجأة حقيقية تمامًَا بالنسبة إلي ’ أعطانَا نبذة كذلك عن إعلان القاهرة ثم فاجأنَا بقيامه واستدعاءه بعض الشباب شادي العدل و إسراء عبد الفتّاح و أحمد غنيم .. ليتعرفوا علينا ولنكون على اتصّال وقد حدّث .. جلسنَا قليلاً معه ثم نهضَ ليرتدي ملابسه ومشى تاركًا إيانا مع الشباب في منزله , كان لديه تقريبًا موعد مع إحدَى السفَارَات ..
صافحنَا الشباب وانصرفنَا بعد انصرافهِ فقد كان ما يزال أمامنا سفرٌ طويل حتّى طنطَا ..
هكذَا انتهى اليوم وكان قد أخبرنا بالتنسيق مع الشاب المتحمس أحمد غنيم لترتيب أمر زيارته لطنطا ..
هكذَا سأعتبر ما حدثَ بعدهَا سرًا إلا ان زيارة الدكتور أيمن نور تعذر إتمامها في المواعيد التي حددناها , وكان مرتبطًا بمواعيد سفرِه إلى الخارج ليخوض رحلته العلاجية ( شفاهُ الله ) , وقد أجلت زيارته إلى طنطَا إلى أجلٍ لم يسمّى حتى الآن لظروفٍ خاصّة
إلى أن جاء اليومُ الأوّل من آبريل , كنت أعلم أنه ذاهبٌ إلى منصورة بخصوص مؤتمر يعقدهُ في بلدته نبرُوه , وفضيتُ اليومَ في طنطا حتى جنّ الليل , وبعد ساعاتٍ من الغرُورب أتاني هاتِف من أحد زميلي وقائد مجموتنا أثناء زيارتنا إلى القاهرَة مفاده أنّ :
* دكتور أيمن نور جاي من المنصورة وهيعدي على طنطا واتصل بيا قلتله على طريق كفر الزيات وطلب رقمك .. مستعد تستقبله !

* بالتأكيد ..
* عاه .. دي مسئولية كبيرة . الأمن .. النظام .. القلق .. التوتر
* يعني الراجل عايز يسلم علينا ونقول مسئولية , أمن ايه انا لو هستقبله في بيتي !
إنتهى الحوارُ مع زميلي إلى هذَا الحد واتصلت بعدها بالذي صار صديقًا أحمد غنيم على هاتف الدكتور أيمن نور :
اعتذر لأن هاتفه انتهى شحنهُ واخبرني أنّهم في الطريق , وأن دكتور أيمن قادم ليصافحنا على وجهِ الخصوص لما علمَ بظروف تعذر تنظيم الزيارة قبْل سفرِه .. اتفقنَا على اللقاء بالمقهى الأحمدي في ساحة مسجد السيد البدوي في تمام الواحدة بعد منتصف اليلة وهي المسافة المقدرة حتّى وصوله وذلك لأنه مرّ على أحد كبار الرجال في حزب الغد وعضو لجنة الحكماء في طريقهِ إلى طنطَا ..
اتصلتُ بأسامة غزال أمين الشباب عن المحافظة و بشهاب عبد المجيد رئيس جبهة الشباب الحر في حزب الجبهة الديمقراطية وأخبرتهُ بأمر الزيارةِ العاجلَة فساد الارتبَاك للحظَات قبْل أن يقول :
دكتور أيمن شخصية سياسية عامّة لها وزنهَا الكبير جدًا في عالم السياسة . أكدّ علي أن أجعل الاستقبَال رائعًا قدر الإمكان وجعله يليق بزعيمٍ كبيرٍ مثله في ظل هذا الوقت الضيّق وفي أوّل زيارةٍ له لمدينة طنطَا ..
بعد عدّة اتصالات ببعض الأشخاص واتصلت بزميلي الثاني والتقينا و توجهت إلى مكان التجمع لأجد من حضر منهم :
أ . طه الحناوي أمين الحزب الناصري بالغربية وحرمه
ابراهيم مكاوي عضو مجلس محلي المدينة عن حزب التجمع
محمد بدر عضو شاب من حزب الوفد
خالد عبدالرحمن رئيس تحرير جريدة صوت الاحرار .
وجلستُ معهُم نحتسي الشاي قليلاً حتى وصل الزعيم أخيرًا , قمت إليهِ أستقبله في سرعة بعد أن توقفت سيارته أمام باب الساحة الرئيسية للمسجد وخلفها حافلتان صغيرتان , ترجّل منها فصافحته في حرارة .. وكالعادَة كان معه بعض الضيوف , وبعد تعارف قصير مع الأستاذ إيهاب الخولي رئيس حزب الغد وبعض الشباب جلسنَا على المقهى ليبدأ الحديث ..
طوال ما يقرب من ساعة ونصف دارت العديد من الأحاديث المختلفة عن الأحزاب في مصر والوضع بصورةٍ عامّة وعن شخصهِ وصحتهِ , عن ما حدث في نبروه وإعلان القاهرة وما أغلقت لجنة السياسات بابها عليه من قوانين تقدّم بها هو ..
هكذا انتهى الحوار ومضى بعد ان ربّت على يدي وهو يشكرني بشدّة ويهمس لي بأنّه لم يكن هناك من داعٍ لهذَا مطلقًا فقد كان يريد أن يرانا فقَط , واستقل سيارته و كذلك من أتى معه من ضيوف كرماء

عدتُ إلى المقهَى لأجد أنّ جميع من بهَا قد تبخرّوا وهناك فاتورةً للحساب كفيلة بخراب بيت قارون نفسه دفعتها وأنا أقسم حتّى الآن أن هذا حساب رواد المقهى طيلة اليوم يومهَا
من يومهَا وحتّى الآن وأنا أرغب في أن أشكر دكتور أيمن نور على شرف زيارتهِ لنا في طنطَا , ولكنني لم أجرب الاتصال به شخصيًا مرّة أخرى فانبهار المرّة الاولى لم يزل بعد ..
شرفنّي معهُ يومَ حضر ومعذرةً لمن لم أذكر أسماءهم ..
إيهاب الخولي - رئيس حزب الغد - , باسم سمير الاتحاد المصري الليبرالي - محمود جاويش صحيفة المصري اليوم - أحمد غنيم من شباب الغد - شادي العدل وغيرهم ممن لم يسعفني المقام لذكر أسماءهم
إلى هنا تنتهي المذكرات وإن كنت أحبّ أن أضيف أمرين :
1- حينَ ذهبنَا في المرّة الاولى إلى مقر الغد في ميدان طلعت حرب بأعلى جروبي وجدناه مغلقًا .. سألنا هل للغد مقرّات اخرى فوجدنَا آخر , لم نكد نصل إليه حتى قرأنا اسم موسى مصطفى موسى على لافتته فاستدرنا .. هكذا كان الحال مع عجوزٍ آخر التقيناه صدفة أمام مقر موسى .. قال أنه أيضًا ذهب إلى المقر القديم طامعًا أن يجد د. أيمن نور ولكنه وجدهُ مغلق فأتى إلى هنَا دون أن يعرف أنه لموسى هو الآخر , قال أنه لو كان أنه يعرف ا، هذا مقر موسى كان ســـ...
هبطَ معنا وسار معنَا قليلاً وفي الطريق قال : أتيتُ له لأقول له فقط أن الكلاب منعوني من إعطاء صوتي له في الانتخابات .. أريد ان التقيه لأخبره أنني أعطبته صوتي .. صوتي الذي لم يصل له لأنني لم استطع الإدلاء به .. وبدا متأثرًا قبل أن يحيينا وينصرف ..
2 - عرضتُ على أحمد غنيم أمرًا وهو أنني أحضّر لكتابٍ جديد يتضمن الحديث عن الدكتور أيمن نور , وأخبرته أنني أرغب في معرفة آرائه حول عددٍ من المواضيع , كان هذا في محادثة منذ أسبوعين وحتى الآن لم يأتِ أحمد بالردّ .. فالويل له :D

Sunday, May 03, 2009

أريد أن ابني كنيسة

تعريف : المسيحي / كائن حي من ذريّة آدم ومِن مَن حملوا مع نُوح .. يندرج تحت بني البشر في المعاملات .
تمهيد / لا أحب أن - ألقى هجومًا إن لقيت - لمجرّد أن القصة هي تقمصّ لشخص على غير ملّة الإسلام , هذهِ قصّة ولينكر أحدكم أنّها تحدُث !

أريـــــد أن أبني كنيـــــــسَة !
طارق عميرة - قصة قصيرة
قبل أن يهجر منزله للأبد، قال مايكل:
لن يجعلك الخوف تعيش للأبد..
ومضى بينما والده ينكس رأسه بعد أن انتهى من نوبة التوبيخ التي كان يصدع رأسه بها دائما، مضى مايكل وهو مشغول بشدة، إلى أين يذهب؟، ومن أين سينفق؟، يمكنه تدبير عمل لنفسه ولكنه بحاجة لأيام قبل ذلك حتى يجده على الأقل..
أبوه علمه ألا يصمت عن حقه، وعندما أدرك حقوقه الحقيقية وبدأ بالمطالبة بها بدأ الصراع مع والده حول المبدأ الذي غرسه في نفسه..
أليس من حقه العيش في حرية كما..
لم يفكر كثيرًا فقبل أن يبتعد عن منزله بخطوات مزق أذنيه صوت صرير سيارة توقفت فجأة وهبط منها رجلان سارعا بالالتفاف حوله ولم يستطع مقاومتهم، كان جسده هزيلا، لهذا لم يستطع مقاومة اليد التي تلوي ذراعه ولا التي تكتم فمه ولا اللتين تحملانه، فقط شعر أنه دجاجة انحشرت بين أخشاب القفص حين وضعوه في السيارة، رأى أمامه شخصين آخرين، خيل إليه أنه يسمع صوت ضحكة والده من داخل منزل قبل أن تفقد كل حواسه عملها، إثر ضربة عنيفة على مؤخرة رأسه..
وحين أفاق وجد نفسه مقيدًا إلى أحد المقاعد، فتح عينيه فوجدهما تريان، كان يقف أمامه شاويش ضخم، كان مندهشا لأن هذا هو الشاويش الأول الذي يراه في حياته بلا شارب!.
كان يشتم وهو ينظر إليه ويقول:
فتحتي يا روح أمك!.
الشاويش يكلمه بصيغة المؤنث وهو لا يعلم سببًا لذلك، ولولا أنه الوحيد الموجود لما فهم أنه المعنيّ بالحديث، شيء آخر جعله يدرك أنه المقصود، حين فوجىء بقبضة سخية ترتطم بفكه، شعر بالغيظ، ألم الغيظ كبير جدًا مقارنة بالألم العادي خاصة أنه مقيد، للحظات لم يستطع الحديث، ولم يدرك ماذا يقول.
عايزة تبني كنيسة يا روح أمك!.
إنتو مالكم يا ولاد الكلب!!.
لم يدر مايكل لماذا جرى السباب على لسانه، ليس من الذكاء استفزاز الشاويش وهو مقيد، لهذا توقع الثمن الذي سيدفعه وقد كان عددًا من اللكمات كفيل بمداورة رأس فيل..
تساءل مايكل في أعماقه هؤلاء يقتلون الشيوخ والملتحين ويعتقلونهم بتهمة يعرفها الجميع هي إسلاميتهم، ويعترضون على بناء كنيسة!، أي دين يتبعون؟. مع اللكمة الأخيرة سمع مايكل الشاويش يقول:
شفت فيلم إحنا بتوع الأتوبيس!.
دوار يكتنفه فلا يعرف أين يقف الشاويش!.
لكمة أخرى.
-ما تردي يا روح أمك!
بنبرة أثقلها الدوار، قال مايكل الذي رأى الفيلم:
-لا!.
لكمة أخرى.
-خسارة أصل عادل إمام عمل فيه عجين الفلاحة، إنتي هتعملي إللي أسود من كده يا روح أمك..
يفقد مايكل وعيه قبل أن تصل إليه اللكمة التالية، وآخر ما يدور بخلده أن هذا شاويش مثقف حقا..
وحين أفاق مايكل هذه المرة وجد نفسه يرقد في فراش نظيف، قديم ورث ولكنه نظيف، تطلع إلى الحجرة من حوله فوجد منضدة صغيرة فقط بالإضافة إلى سريره وهي كل ما تحتويه الحجرة، بابها مزوّد بنافذة صغيرة مغلقة تفتح من الخارج، فكر في محاولة فتح الباب، ولكنه توقف بعد أنا جال بذهنه أن كل ما سيفعله هو أنه سينبههم إلى استيقاطه واستعادته لوعيه..
أدرك سخافة الفكرة عندما لمح تلك الكاميرا في ركن الحجرة في نفس اللحظة التي كان مقبض الباب فيها يدور ليفتح..
برز من الباب رجلان، أحدهما قوي مفتول العضلات والآخر شاب وسيم تجاوز الثلاثين من عمره بأعوام قليلة، بحث مايكل ببصره عن الشاويش اللعين الذي مازال رأسه يدور من لكماته حتى الآن، ولكن لم يبد له أي أثر..
قال الشاب الوسيم:
-أنا مش عايزك تزعل يا مايكل، الشاويش عبد المحسن اتصرّف من دماغه، هو مقالكش كان بيضربك ليه؟.
ينظر إليه مايكل في حذر وصمت وينقل بصره إلى الكاميرا المراقبة الموجودة فوقه، إلى من تنقل الصورة؟ تخيل والده جالسًا أمام شاشة التلفاز يرمقه في شماتة بعد أن رأى ما كان يحذر ابنه منه وقد تحقق.
-مقليش أي حاجة!.
-افتكر كده..
ينظر إليه مايكل، ويقول وقد استعاد رباطة جأشه:
-قاللي إني حعمل الأسود من عجين الفلاحة!.
ينظر له الشاب في عتاب وهو يقول:
-وقال كمان إنك عايز تبني كنيسة، صحيح الكلام ده يا مايكل؟.
-مش أنا إللي عايز أبني المنطقة كلها مسيحيين ومحتاجين كنيسة، إحنا عشان نروح أقرب كنيسة ساعة بالعربية، على إيه الذل ده كله؟..
سقط التصنع كله فجأة والشاب يقول:
-ليه كده بس يا مايكل؟.
مع لكمة شديدة من الرجل مفتول العضلات لوجه مايكل، كل ما حدث هو تغير ساحة التعذيب، هو الآن حر غير مقيد ولكنه منهك خائر القوى، استفزازهم أكثر سيقتله هو:
-ذل إيه يا مايكل؟ إنتو عيشتكم هنا زي الفل، مش كفاية عمو نجيب، كمان عايزين تزوّدوا أجراسكم في البلد!.
انتظر لكمة أخرى ولكنها لم تأت، فتح عينيه فوجد الشاب يتأمله بذات اللطف المصطنع..
-وإنتو خايفين منها ليه كده؟ إنتو محسسينا إن الكنيسة دية إللي حتوقف دينكم كله..
لكمة أخرى.
-عيب يا مايكل ديننا مش حيقف..
-عشان معندكمش دين!
لكمة أخرى أشد، هنا الرجل لا بأس به فهو يلكم على فترات على الأقل، قال الشاب في لهجة عالية محذرة:
-عيب يا مايكل مش كفاية سايبنكم تعيشوا هنا!.
-متعرفش تعمل حاجة لا إنت ولا جنسك في موضوع عيشتنا، وكفاية إن بلد زي أمريكا فيها أغلبية مسيحية سايبة كام مسلم يعيشوا على أرضها بنفس الحقوق!.
-إنت شكلك حتتعبنا يا مايكل!.
انتهى الشاب من عبارته لينهال مفتول العضلات على مايكل باللكمات والركلات، لم يفقد مايكل وعيه هذه المرة، فقط شعر بأنفه ينزف وبكدمات عملاقة تحت عينيه، مع هذه الكمية من الإصابات لابد من أسبوع حتى يتركوه على الأقل، ما لم تكن هناك إصابات أخرى..
ترك الرجلان وجهه ينزف وانصرفا، كانت المرة الأولى التي يحتفظ بوعيه لفترة منذ خرج من منزله، وإن أثار هذا ذهوله بعد كل هذا الضرب الذي تلقاه..
فوجىء حين وجد الباب يفتح ويدخل مفتول العضلات ليضع بجواره دلوًا لقضاء حاجته، تساءل مايكل عن أهميته إذا كان هو لم يأكل شيئا منذ أيام، شغلته آلامه بنفسه وجسده عن كل ما حوله، كان يشعر بأن الكدمات في جسده لا تساوي ذرة من ألمه الداخلي، ألم بانكساره وهو يرى كيف تخلى عنه أهله وعذبته حكومته لمجرد أنه يطالب بحق صغير من حقوقه..
تساءل في أعماقه عما يعدونه له في الأيام القادمة، ما الشيء الأسوأ من عجين الفلاحة؟..
عجين الفلاحة تلك الرقصة الشيطانية التي على المعتقلين أداؤها وهم راكعون أرضًا، أحيانا تكون الأرض ملوّثة بالزجاج، أحيانا أخرى بالبول ومياه الصرف غير الصحية..
ما هو الأسوأ؟، تقييد ولكمٌ وركلٌ وضربٌ متواصلٌ وفقدانُ وعي، هل سيقتلونه؟ ربما ينتهكونه جسديًا فهم يفعلونها كثيرًا..لا يعرفون أن الاغتصاب والتحرش جريمتان يعاقب عليهما القانون، لا بل هما الآن القانون ذاته!
استبعد هذا الاحتمال الأخير، لأنه يعني تحوله إلى خصم شخصي وهم يبتعدون عن هذا أحيانا، هو أيضا معروف ولإن خرج لتكونن فضيحتهم عارمة، وهم لا يتركون شيئا فادحًا كهذا يمرّ إلا في لحظات انتشائهم، هم الآن مهزوزون مهزومون، وإلا ما الذي يدفع أرفع جهاز أمني بكل رجاله لمطاردته لمجرد أنه يطالب بحق بديهي من حقوقه!.
عاد تهديدهم يلح على رأسه..
ما هو الأسوأ من عجين الفلاحة؟.
-يا رب تكون عقلت يا مايكل..
باغته الصوت وشعر بالباب يفتح بعد قرابة الساعة جائلا في خواطره قبل أن يجد الشاب.
-مش حتقولي عايز تبني كنيسة ليه يا مايكل؟.
ما هذا الغباء؟، هذا الشاب أحمق أو يحاول أن يبدو كذلك، فكر مايكل:
-عشان نصلي، المسلمين بيبنوا جامع ليه؟.
-واضح إن لسانك لسه طويل، يا مايكل أنا بحبك، إنت مسيحي وأقل تهمة حتتقال عليك كله حيصدقها، تحب تتآمر على النظام ولا تثير المنظمات الخارجية ضده؟، أقولك إيه رأيك بلاش ده كله ونلبسك تهمة عادية خالص، سلاح أو مخدرات وصدقني ترحيب الناس بيك في السجن حيكون أحسن من ترحيبنا بيك في المعتقل!.
لست بهذه السهولة أيها الأوغاد، فكر مايكل أنهم لا يستطيعون فعل هذا وإلا لفعلوه..
سيكون هذا ظاهرًا للغاية وستتدخل الكثير من المنظمات الحقوقية باسمه لفضحهم، تساءل عما سيحدث في العالم الخارجي الآن، وهل هناك أي تأثير تركه غيابه؟، حرص ألا يظهر شيء مما يعتمل في أعماقه على وجهه، قال وهو يواجه الشاب ويبدي الاستسلام:
-وأنا إيه إللي ممكن أعمله؟.
-حبيبي يا مايكل..تبطل تتكلم على بابا وتولع الناس وتقولهم يطلبوا حاجات مش بتاعتهم وتفهمهم إنها حقوقهم!.
يفكر مايكل قليلا قبل أن يغمض عينيه في استسلام لمصيره هذه المرة وهو يقول:
-آسف مش حقدر!.
هتف الشاب في صرامة من لا يملك الوقت:
-يبقى تبطل تقولهم يبنوا كنيسة عندنا!.
فتح مايكل عينيه أخيرًا وهو يقول بعد أن ابتسم للمرة الأولى منذ خروجه من منزله:
-موافق!.
غادر مايكل المعتقل وهجر المدينة بأسرها، وظل طيلة حياته يتساءل عما هو أسود من عجين الفلاحة الذي كانوا يعدونه له، وقد برّ بوعده للضابط ولم يتحدث عن بناء الكنيسة في منطقتهم بعد الإفراج عنه قط، بل ظل يطالب طول حياته بأن يكون بناء الكنائس سهلا كالبيوت، في جميع البلاد.
تمت