Thursday, July 19, 2007

الذين صمتوا - الفصل الاول

على سبيل التجربة
هذا هو الفصل الأول من عدد كبير من فصول روايتى الجديدة التى لا أدرى هل ستحمل اسم الذين صمتوا ام قناع الصمت الى الآن .. ولكن لنجعلها الذين صمتوا مؤقتًا !, أتمنى أن يعجبكم , ستنشر هنا بعد الفصول المتفرقة منها , وهذا هو الأول ..

(1)
وعلى المنبر يقف الشيخ .. يحمد الله ويثنى عليه فى سرعة وكأنما فاجأه وجوده على المنبر بعد صلاة المغرب فى أحد الأيام , يتكلم ببعض الكلمات السريعة التى يمتدح فيها الله والنبي والصحابة والمؤمنين ويدعو للحاكم ويتحدث عنه قائلاً :-
- " يقول العلامة الشيخ ابن قدامة رحمه الله فى كتابه المغنى حقيقة واسمًا بوجوب طاعة الحاكم وعدم عصيانه أو الخروج عليه , ومن يفعل ذلك فعقابه القتل الا ان يرحمه الله أو يعفو الحاكم عنه , والاسلام يأمر بطاعة ولى الأمر فالله تعالى يقول فى كتابه الكريم :- واطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم , والامر هنا معناه الوجوب يا ساده , وجوب طاعة الحكام فيما يأمرون به وعدم الخروج عليهم مطلقًا , وأكرر أن من يفعل ذلك فعقابه القتل " .
يكمل الشيخ كلامه بينما يستمع له الحاضرون بانصات , منهم من يمتعض وهو يسب الحاكم فى سره , ومنهم من يستمع باهتمام وهو يجد ذرائع تبرر طاعته العمياء لنظام الحكم ونفاقه ومسايسته لاتباع النظام , ومن بين الحضور كان هناك شخص جالس ينصت , ولكن يبدو أن حديث الشيخ لم يعجبه , لهذا فعندما أتى الشيخ على ذكر الخروج على الحاكم وما كاد ينتقل الى نقطة أخرى حتى هب واقفًا وهو يقول :-
- انتظر يا شيخ , ارجو أن توضح لى الأمر أكثر , ماذا تعنى بأن الخارج على الحاكم يستحق القتل , وهل ورد نص صريح بهذا فى القرآن أو السنه ؟
التفت اليه الشيخ .. هو لم يتوقع معارضة أبدًا , فهو يتكلم فى موضوع حساس , وكذلك الرجل أدرك حساسية الموقف ولكن ردة فعله جاءت تلقائية ,رغم أنه يدرك أن المسجد ملىء بعيون النظام , وأنه منذ لحظته تلك فلن يتركوه وحده فترة طويله ..كان قد ورط نفسه فى الأمر فانتظر سماع رد الشيخ حتى يقتنع أو يرد هو .. قال الشيخ :-
-" فيماذا سرحت اذن ؟ لقد قلت آية قرانية الآن ,ألم تسمعها ؟ ألا تثق فى آراء ابن قدامة ؟ ألا تكفى الآية التى ذكرتها ؟ , هل أكررها لك ؟
يجيب الشاب بينما كل الأنظار متجهة اليه فى شغف لمعرفة ما ستنتهى اليه هذه المقاطعة :-
- بل سمعتها , أنا لا أعلم تفسيرها , ولكن لا أظن أنها تأمرنا بطاعة السيد الرئيس وعدم الخروج عليه والا كانت شريعتنا تناقض ذاتها , ولا تقنعنى بأن قتل الخارجين على النظام هنا حكم اسلامى , والا فلماذا يطبق هذا دون بقية الأحكام او الحدود !
يفكر الشيخ قليلا ثم يقول :-
-" بل ما قلته هو تفسير الآية , وللحاكم فعل ما يراه ما دام هو ولى الأمر !"
رمقه الشاب بنظرة احتقار طويلة بينما كان يستحضر معلوماته فى ذهنه وعقله , وقد أراد رده قاسيًا هذه المرة فلم يعد هناك ما يخشاه , قال :-
- هل أنت أعلم من عائشة بنت أبي بكر والزبير بن العوام ومعاوية بن ابي سفيان وغيرهم من صجابة الرسول الذين خرجوا على على يوم خلافته حتى يأخذ بالثأر من قتلة عثمان ؟ , اليس هذا خروجًا على الحاكم ؟ لاحظ ان الحاكم هنا لم يكن أى شخص بل كان يحكم بالشريعة وكان رابع الخلفاء الراشدين وسيرته معروفة وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم !
قال الشيخ :-
- ولكن أنت تتكلم عن الصحابة , وبعض أفعالهم ليست مقياسًا , فحين آمر ابنى بتطليق زوجته دون سبب فعليه الرفض وليس كما فعل ابن عمر بالطاعة حين أمره أبوه بذلك , وهذه الأمور قد تكون لصحابة النبي فقط , كما ان عائشة والزبير ومعاوية وغيرهم خرجوا لان علي لم يأخذ بدم عثمان وليس بدون سبب كما يفعل الناس هذه الايام , والآية التى ذكرتها لك صريحة بشأن هذا الأمر .
قال الشاب مبتسمًا وقد وجد الكثير من الثغرات فيما يقوله الشيخ :-
- المثال الذى ذكرته ضعيف ولم يرد فيه آية كالتى قلتها , والصحابة كانوا يلتزمون بما جاء فى القرآن تمامًا, وأنت قلت أن الأمر فى الآية معناه الوجوب فهل سيخالف الصحابة أمرًا واجبًا عليهم ؟ , وكذلك ان لم تكن أفعالهم هى المقياس ؟ فافعال من اذن ؟ ألم تسمع قول النبي " أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم " ؟ ماذا لو اقتديت أنا بمعاوية فى هذا الفعل , هل سيكون هداية أم ضلال ؟. , دعك من هوان السبب وقتها وهو عدم الأخذ بالثار من قتلة عثمان , أفلا تخرج على حاكمنا وهو لم يأخذ بثأر من قتلوا على حدودنا وبأيدى أعداءنا ؟ أفلا نخرج عليه ونحن نرى كل ما نعيشه من فساد بكل مراحله المتغلغله فى كل طبقات المجتمع ؟ وكذلك ما أهمية الحديث القائل ب " خير الجهاد كلمة حق فى وجه سلطان جائر " اذن ؟ !
كان الرد مفحمًا حتى أن الشيخ صمت طويلا على المنبر قبل أن يفتح فمه بتهتهة لا معنى لها وتلعثم أظهر للحاضرين أى الطرفين على حق وقال الشيخ بعد ان تمالك نفسه :-
- ليس لدى وقت للرد عليك , وان لم ترد الانصات لما اقوله فيمكنك الذهاب , لن تقنعنى بآرائك التافهة التى لا أدرى من أين استقيتها بأن ابن قدامة مخطىء , ولكن احذر فسفاهتك هذه ستؤدى بك الى عاقبة لا يتمناها أحد وستكون عبرة للناس جميعًا , وأرى أنك حى بخير أمامى ولا يبدو لى أى فساد فى المجتمع , ربما تشعر به لأنك أحد صناعه ! "
كان رد الشيخ جارحًا فهو لم يدر بماذا يجيب , وكان يعلم أن الشاب ربما يكونة محقًا فيما قاله ولكنه لم يملك ما يقول , فهو يعلم أن أنفاسه محسوبة عليه وأنه هنا ويتحدث فيما يتحدث فيه بامر من وزارته , بينما ابتلع الشاب الاهانة و حافظ على ابتسامته وهو يقول :-
- الآن عرف الجميع ردك !
كاد يجلس ولكن الشيخ بدأ يلاحظ النظرات المستهجنة المستحقرة له والمحادثات الجانبية التى بدأت تدور بين الحاضرين حوله فأصر على رايه قائلاً :-
- حسنًا ما قلته هو رأى الشرع , ومن يريد أن لا يعمل به فله عذاب شديد فى الآخرة والعذاب الدنيوي الذى يعلمه الجميع !
انتصب الشاب واقفًا مرة اخرى وقائلا فى اصرار :-
- ليس برأى الشرع !
تجاهله الشيخ تمامًا هذه المرة وهو يعيد :-
- طاعة الحاكم واجبة شرعًا فهو ولى الأمر , ومن المقرر شرعًا أن الخارج عليه يستحق القتل , وكون الحاكم يعفو عن البعض فهذا من حسن الحظ أن الله بعث لكم حاكمًا رحيمًا "
لم يترك الشاب هذه العبارة دون تعليق أيضًا فقال :-
-اذن فجمال عبد الناصر والسادات والضباط الاحرار يستحقون القتل لانهم خرجوا على الملك فاروق , والامام الخمينى يستحق القتل لانه خرج على النظام المستبد الذى كان يحكم ايران قبل الثورة الاسلامية , اما سليمان الحلبي فيستحق القتل بالخازوق لانه قتل كليبر وخرج على الثورة الفرنسية , بينما كان عرابي وسعد زغلول وكل المطالبين بتغيير الحكام وحرية مصر يستحقون القتل ايضًا لانهم عارضوا سياسات الحكام !
قالها الشاب وجلس بينما تعالت ضحكات عالية وقهقهات ساخرة من افواه الجالسين أما الشيخ فقد تحول وجهه الى شعلة حمراء ولكنه تمالك نفسه واكمل درسه بعيدا عن النظام الحاكم هذه المرة حتى انتهى من خطبته وخرج من المسجد مهرولاً قبل أن يعطله المصلين وهو لا يملك ما يقول ردًا على حديث الشاب .
اما الشاب فقد جلس حتى النهاية واستقبل عبارات الحضور المحفزو من أمثال :- جدع , تسلم , الله يكرمك .. والعبارات المحذرة من امثال :- لماذا فعلت هذا بنفسك ؟ , لماذا قلت هذا على الملأ ؟ , الست ابن فلان وخلفك اخوة أنت عائلهم الوحيد ؟. .. الخ وقد كان الشاب يجيب بعبارة واحده ..:-
- لن اصمت !
وعند خروجه أخيرًا من المسجد سار قليلاً باتجاه منزله وعند عبوره أحد الشوارع التى كادت تخلو من السكان , وجد رجلا فى حجم هرقل يحيط بذراعه اليمنى ورجلا فى حجم هانيبال يحيط بذراعه اليسرى وثالث فى حجم عنترة ابن شداد يكمم فمه ويرفع ساقيه عن الارض بطريقة عجيبه فى نفس اللحظة التى توقفت فيها سيارة بجوارهم دفعوه داخلها فى عنف ..واحاطوا به لتكمل السيارة طريقها ..
وبينما تسير السيارة , كان الشيخ يتابعها ببصره من نافذة تطل على الشارع نفسه , وعلى وجهه سالت دمعة وهو يقول بصوت هامس :-
- لماذا فعلت هذا بنفسك ؟ .. لماذا ؟؟!
***