Saturday, February 06, 2010

الدين والعالم

الديــــــــن والعَالـــم
كيف تنشأ الأفكَار والمُعتقدَات
-1-
مِن الواضِح تمامًا في الجيل الجديد أنّه من الشبَاب المتخبّط بأكمله تقريبًا , ومع إنعدَام نظام وجود قوّة مسيطرة عامّة دقيقة واحدة في إطار معين بخلاف القواعد القانونيّة التي لا يتمّ العملُ بهَا والمهمّشَة من قِبَل المسيطرين عليهَا.
ومع فشَل أنظمة الدولة في إشبَاع حاجَات الشبَاب وفي نفس الوقت فشلهَا في تعليمهم وتلبية متطلباتهم بل حتّى أن الدولة تجاوزَت هذا إلى إهدار حقوقهم الأساسية وإهدَار كراماتهم إذا طالبوا بها .
هكذَا لم يجدُ الشبَاب بدًا من مواجهة صعوبَات الحياة بأنفسهم في مجتمعٍ يأخذ الشاب فيه مصروفه من والده حتى الواحدَه والعشرين ويتعلم أكثر من إثني عشر عامًا كيف يقرأ اللافتات في الشوارِع !
الأزمة هنَا أن البعض يهاجِر والبعض يبقى وكلاهمَا يعانِي .. وإن كانت معاناتهما مختلفة , فإن المعظم يعانِي من حالَة من عدم التوازن الفكريّ , وذلك لتعددّ الأفكَار والأفعَال من حوله , فقد تجد شيخًا يحرّم الغناء كلّه وآخر يحلّ بعضَه كمَا قد تجد جارةً لا تظهرُ إلا كاملةً الثيّاب وأخرى لا تبرز إلا بقميص النوم , كل هذا يسهم في تكوين التقاليد والمفاهيم الأساسية الاجتماعية لطبيعة المجتمع المحيط ومدى توافقه أو تضاربه مع ما يعتنقهُ الفردُ من أفكَار .
ولعلني لا أجد توضيحًا لما أقصد أفضَل مِنْ ما كتبهُ (كينث بولدنج ) في كتابهِ (الصورَة) عن مكونّات الأفكار والمعتقدَات , فأهم خصائص نظريته :
1- الصورَة المكانيَة : وهي الصورَة التي لدَى الفرْد عن وضعِهِ أو موضعِه في المكان المحيط بِه .
2- الصورَة الزمانيّة : وهي الصورة التّي يكونّهَا الفرد عنْ مجرَى الزمَن ومكانهُ فيه .
3- الصورَة العقلانيّة : وهي الصورَة التّي لدَى الفرْد عن الكَون مِن حيثُ هو نُسّق من الانتظَامَات والعِلاقَات .
4- الصورَة الشخصيّة : وتتعلّق بمكَان الفرْد في عَالم الأفرَاد و الأشخَاص , والأدوَار والنظّم المحيطَة بِه .
5- صورَة القيمَة : وتتألف من الأحكَام المتعلّقَة بما هوَ خيرٌ وشرّ وبالنسبة للعناصر والأجزَاء المختلفَة من رؤيَة العَالَم ككلّ .
6- الصورَة الوجدانيّة : وهي التّي تصبغ فيهَا الأجزاء المتنّوعَة من العَالم بصبغةٍ عاطفيّة انفعاليّة وهذه الصورَة تتعلّق بمَا نحبّ ولا نحبّ من أجزاء الكَون , وتتعلّق أيضًا بمشاعِر الخوف والرهبَة , والألَم والسعَادَة وما يشبههم .
7- الصورَة من حيث هي مقسمّة إلى جوانِب شُعوريّة ولا شعوريّة ودون شعوريّة : ومعنَى ذلك أن الأفرَاد ليسُوا على وعيٍ كاملٍ بكلّ جوانب رؤَى العَالم التّي لديهم , حيثُ توجَدُ درجاتٌ متفَاوتة مِن الشعُور بتلكَ الجَوَانِب .
8- الصورَة منظورًا إليهَا منْ خلالِ بعد التأكّد أو اليقين وعدم التأكّد , والوضوح والغموض : فهنَاك بعض الجوانِب وخاصة الوجدانية الانفعاليّة من رؤَى العالم والتي قدْ تكُون غيْر مؤكدّة أو واضحَة في ذهنِ الأفرَاد , بينمَا تمتازُ بعضُ الجوانِب الأخرى بالوضوح والتأكد .
9- الصورة منظورًا إليها من خلال بعد الواقعيّة أو عدم الواقعيّة : ويعني ذلك مدَى اتفّاق رؤية العَالم أو الصورَة الذهنيّة مع بعض جوانب العالم الخارجِي , كمَا هي عليه في الواقِع .
10- الصورة منظورًا إليها من خلال بُعْد الخُصوصيّة أو العُموميّة : بمعنى معرفة إذا ما كانت رؤية العالم رؤية فرديّة ذاتيّة أو جماعيّة يشتركُ فيهَا جميعُ الأفراد .

من منظور بولدنج فإن الصفَات المشتركَة بين الأفرَاد ناتجَة عن رؤية جماعيّة , و هذَا يوضّح أن اختلاف الظروف ينتج عنهُ اختلاف الصوّر بين الأفرَاد , ويمكننَا فهم هذهِ بتطبيقهِ على مجتمعاتنَا إذا لاحظنَا الإختلافات الطفيفَة في بعض المسائل الدينية , ومن ثمّ قد تأخذ بعض هذه الإختلافات طريقهَا على نبذ الآخر كصاحب مذهب غير صحيح أو بحاجةِ لتصحيح مفهومهِ وقد تكون نفس الفكرة متبادلَة , فإذَا عرفنَا أن الفكر يكون نتيجَة لكلّ العوامِل السابقَة فقدْ يكون هذا مبررًا للكثير من تصرّفَات الغيْر.
كذلك الحكمْ بين الخير والشرّ فإنه يكون قاطعًا ولكنّه يختلف من إنسانٍ لآخر , باختلاف مفهوم الخيرِ والشرّ نفسه وبمقاييس المحرّمَات فهنَاك أشياء يعتبرها البعضُ شرور و لا يعتبرهَا الآخرون كذلك , قد يكون فكريًا أو طبقًا للعادَات أو عقائديًا , وهنَاك شرور متفّق عليهَا في جميع الدول والعقائد كتحريم القتل و السرقة وغيرهَا من الشرّور التي تمس المجتمع بضرر .
ينطبق الاختلافُ أيضًا على الزمّان والمكَان والوضع المهني والوضع التعليمي واالوضع العائلي , تغيّر المناخ مع تغيّر الأفكار ينتج ثقافات جديدَة وصراعَات فكرية جديدَة .
في أحد التعليقَات على ما كتبه بولدنج كتَب ( السيّد ياسين ) باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجيّة مجملاً ما يقصدهُ بولدنج :
* تتعدد رؤى العالم في أي مجتمع بتعدّد طبقاته الاجتماعية وثقافاته الفرعيّة وجماعاته الإثنيّة , ومن هَنا تبرز فكرة الصرّاع الثقافي بين رؤى متعدّدة للعالم في نفس المجتمَع .
*تنجح الطبقَات المسيطرة في أيّ مجتمع - من خلال الوعي الزائف - في تسييد رؤيتهَا للعَالم .
* شرعيّة مفهوم سائد للعالم قد تتآكل , نتيجة ضغوطٍ خارجيّة أو داخليّة أو سياسيّة أو اقتصادية أو .... ثقافيّة !
* بالرغم من أنّه يمكن صياغَة " نماذج مثاليّة " لرؤى العالم المتصارعَة في المجتمَع , إلا أنّه يمكن أن نشاهِد اختلاطًا بين عناصر مفهُومينِ متضادين .
على سبيل المثال تسرب عناصر دينيّة إلى الرؤية العلمناية للعالم وتسرّب عناصِر وضعيّة إلى الرؤية الدينيَة للعالَم .
* يمكن لرؤية معينّة للعالم أن تتحوّل عبر الزمن من المركز إلى الأطرَاف , بمعنَى إقصاؤهَا عن مركز الإهتمَام لتصبح رؤية هامشيّة ( مثلاً تراجع الرؤية الدينية - للعالم - لحساب الرؤية العلمَانيّة ) , وذلك نتيجةً لتطورّات وعوامِل تاريخيّة شتّى , وقد تعودُ رؤية محدّدّة للعالم , من الأطرافِ إلى المركزِ مرّة أخرَى , ويمكن أن نشير - والكلام ما زال لـ ( السيد ياسين ) - إلى حركة الإسلام الإحتجاجي الذي عادَت رؤيتهَا للعَالم إلى قلب الساحّة السياسيّة العربيّة نتيجَة تآكل شرعيّة النظم السياسيّة المعَاصرَة .

0 Comments: