Monday, August 13, 2007

س ح م .. تتحدى التقدّم


س ح م .. هى الحروف الثلاثة الأولى من سكك حديد مصر , وهى الرمز المعبر عن هيئة السكك الحديدية المصرية فى الوقت ذاته , كانت فى ما مضى صرحًا حضاريًا متميزًا نسمع عنه الاساطير ونصيغ عليه الحكاوى , ولكنها الآن مهزلة يجب ايقافها ومسرحية تصرّ على رفع ضغط مشاهديها .
فى البداية سيثيرك التكدس الذى تراه فى قطارات الدرجة الثالثة والثانية العادية والمميزة والذى يصل أحيانًا لدرجة أنك لا تستطيع الوقوف بكلتا ساقيك فى القطار , لا بد أن تظل احداهما مرفوعة دون أدنى قدرٍ من المبالغة ,هذا بالطبع غير أنه فى وقفتك تلك لن تميز ذراعك من ذراع الرجل بجوارك ولن تميز ساقك التى تقف عليها من راس شخص لا تدرى ماذا يفعل بالاسفل ولكن ما ستتيقن منه أن هذا الشخص لن يستطيع النهوض مرةً أخرى , بخلاف اليد التى ستجدها تخترق أحشاءك , واليد الرقيقة التى ستبرز من تحت ابطك , وشخص ما سمج وسخيف لم يجد مكانًا يستند عليه إلا قفاك , وعليك ان تتحمل فالمساحة لا تسع غير ذلك.
ليس هذا كل شيء , حكومتنا الموقرّة ترى أن الشعب شديد الصمود صعب المراس , لذا فعليك أن تتحمل هذا فى اشد الأيام حرارة , أما فى الأيام البارده , فستجلس تبسمل وتحوقل وتستعيذ وانت تتأمل النوافذ المكسورة والهواء البارد المندفع منها والذى يجعله اشد قوة ووقعًا برودة الشتاء وسرعة القطار , ولو كان سفرك ليلاً فعليك أن تتحمل الجحيم الثلجى خاصةً أنك لن تجد العجين البشري النهارى لتشعر بالحرارة .
ليس هذا كل شيء , منذ حادث قطار قليوب الأخير ولم ينتظم قطار واحد فى سيره أو موعده , حتى عندما يخرج القطار فى موعده من القاهرة , لا بد من أن يتأخر فى مساره لأى اتجاه مدة لا تقل عن ساعة ولا تزيد عن اسبوع , لا تدرى ماذا يحدث , ووسط كل هذا تجد المحصّل آتيًا وفى وجهه بعض الماء ليطلب منك ثمن التذكرة دون أن يتوانى عن حقه فيها وبها ما بها من ضريبة يأخذونها منذ أنشئت الهيئة لتحسين القطارات ولا ترى شيئًا مما يدعون
يحدث لى هذا دائمًا وفى كل مرة اقسم بأننى لن اركب قطارًا أخرى وفى كل مرة أنسى وأعود , فى المرة الأخيرة خرج القطار من القاهرة متأخرًا عن موعده بساعة الا ربع , وهذا لأنه كان قادمًا من الصعيد وله العذر فى ذلك , ربما وقفت ذبابة على أنف السائق او قرصت المحصل ناموسة أو وجد القطار عصفورًا ميتًا فى طريقه , ولكن أن استقله من القاهرة ويقف فى طوخ تقريبًا فهذا مالم أتوقعه , حسنًا سيقف دقيقة أو عشرًا ويسير , هكذا قلت لنفسي خاصة ان المكان الذى وقف به ليس به أى وسيلة مواصلات أخرى , والطريق السريع بجوارنا ينذر بالويل , والاوتوستوب من الآلاف الهابطين من القطار مستحيل أن يستجيب له أحد
وقف القطار ساعتين , من الدقائق الخمس الاولى والناس تتصبب عرقًا , الغريب أننى تذاكيت هذه المرة وركبت العربة المكيفة , دون أن ألحظ أنها فى نفس القطار الذى يحوى عربات الثانية المميزة , وبالتالى كنت ضحية مرتين , مرة حين دفعت ثمن التذكرة مضاعفًا من اجل التكييف الذى تعطل قبل أن نبلغ ربع المسافة والمرة الثانية حين تعطل القطار ووضعنى فى مأزق حرج , لا أدرى هل أطال عن الساعتين ام لا لأننى لم انتظر , قررت الخروج والاتصال بأى صديق يأتى ليقلنى لاقرب موقف للسيارات
فى طريقى للخروج فوجئت برجل يرقد عجوزًا على رجله , والعجوز يبدو انه فى قمة العجز , بقليل من التلصص عرفت أن العجوز أجرى عملية بالقلب فى القاهرة من ساعات وأتى أهله به فى القطار لأنه اسرع واضمن ولا توجد موانع ولا طرق وعرة فى طريقه , وها هو سيلقى حتفه , لم أنتظر لأكمل المشهد , خرجت مسرعًا ..
عدت يومها ولله الحمد وانا العن هيئة سكك حديد مصر واقسمت بالله وبالمصحف وكل الأقسام الممكنة والغير ممكنة أننى لن أستخدم هذه القطارات مرة أخرى ما لم يتغير نظام الدولة بكامله , كان بداخلى عدة اسألة , اين مهندسوا العربات وطاقم الفنيين الذى من المفترض به أن يعالج العيوب هنا ؟ , اين الوزير من الله ؟ لماذا طال هذا الأمر الى هذا الحد دون أى اهتمام أو رعاية حقيقية ؟ ماذا يفعلون بالاموال التى يجنونها ؟ ماذا سيفعل السياح اذا ارتادوا هذه القطارات يومًا ما ؟

0 Comments: