Monday, April 14, 2008

ورقةٌ عنهُم

ورقةٌ عنهُم
قصة قصيرة
طارق عميرة



الكَوبُ يمتلأ بالدخان , أتركهُ يتكَاثفُ قليلاً ثم أنزع الغطاء وأدّسُ أنفي وأجذب كلّ الدخَان في الكَوبِ إلى صدرِي , وأعيد الغِطاء انتظارًا بأن يمتلأُ الكَوبُ بنفسٍ آخَر .
أتأمّل ما تبقّى لدّي من حَشيش لأجدَ أنّهُ كميةُ لا بأسَ بِهَا , ستكفينِي حتّى الغَد , وحينَ يأتِي الغَدُ فإنّهُ يأتِي برزقِه , لذّة المخدّرات تكمُن في غلوّ ثمنِهَا وقلة تواجدهَا وهما عاملي جذب مهمين للغاية كما يقول عُلماءُ الاقتصاد!
الآخرون يعيشُونَ نعيمًا كبيرًا , يكفِي أنّهُم يمارسون حيَاتُهمُ الطبيعيَة , كنتُ هكذَا قديمًا حتّى شربتُ الحشيش للمرّة الأولى , مزية المخدرات أنّها تمنحُك لذّة لن تحصُل عليهَا في حياتِك قط مالم تكُن مدمنًا , أمّا أضرَارُهَا الصحية والنفسية والعقلية فلا تكوّن رادعًا من أيّ نَوع , لستُ أنَا الذي يُبَالي بصحته وهو في ريعَان شبابِه , عيبُ المخدّراتُ الوحيد مِن وجهةِ نظرِي هو أنّهَا تقضي على الملذاتُ الأخرَى , تتحوّل كل أحلامك إلى الحصولِ على طنٍ من الحشيش أو جوالٍ من البانجو , طمُوحك كلّه يقترن بأن تكُون مغيبًا عن الوعي , سأتزوج أجمل امرأةٍ في الكونِ لكن لا بد من شرب الحشيش ليلة الزفَاف , سأكون أكبر أديبٍ في التاريخ , ولكن لا بد من شُربِ الحشيشِ للابداع , سأحصل على نوبل في الفيزياء ولكن لا بد من شُرب الحشيش للتركيز في كشفي العلمي اللذّي سأكتشفُه.
هذِه هيَ مُشكلَتِي الحقيقيّة , الأيّام المُقبلَة , حَاولتُ أن أُقلعَ عن ادمانهَا أكثرَ مِن مرّة , وفي كل مرّةٍ أعُودُ لسببٍ واحِد هوَ الفرَاغ.
ياه , لقد انطفأت قطعة الحشيش في الكوب , لقد منَعَتُ عنهَا الأكسجين أكثر من اللازم , أٌشعِل القطعَة مرةً أخرى وأضع الغطاء وأتابِعُ خَواطرِي
حَاولتُ أكثرَ مِن مرّةٍ ولكنّني لا أستطيع , أتأمل الميكروسكوب , هديةً كنتُ قد أحضرتُهَا لها ولكنَهَا لم ولن تراهَا , ذهبَت , فلتذهب وليذهَب الجميع ما دامَ معي منَ الحشيشِ ما يكفِي.
أتأمّل كُتبِي الدراسيّة التي لا أدرِك أسماءهَا بَعد والامتحانَاتُ على الأبوابُ , يبدُو أنّني سأرسُبُ هذَا العَام , لا يهمّ , وماذَا فعَل الناجحُون , فلتذهب الدراسُة إلى الجحِيم ما دامَ معِي مِنَ الحشيش ما يكفي
أتأمل صدرِي في المرآة , صدري الذي لم يكف عن الشكوَى منذُ أشهُر , فلتذهَب صحتي إلى الجحيم ,فلدَيّ مِن الحشيشِ ما يكفِي .
أرفعُ الغطاء وأدسٌّ أنفي , مرّة ومرّة ومرّة , وأعاود التأمّل , هذّا هوَ مكتبِي الذي خرَجَ طموحي الأول منهُ , لا بدّ من أن أكونَ مهمًا , ساكون نافعًا , ذو بصمةٍ لا تزول , ربّما شهيرًا كذلك , يعاودني حلمي القديم كطيف , لا بد من التخلص من ادماني هذَا حتّى يتسنى لي تحقيقُه , هذَا هوَ حلمي الذي لم تستطع المخدّرَات القضَاء عليه ,لا بدّ من أنّني سأكف عن ادمان هذَا الوباء يومًا ما , حينهَا ساكون بالتأكيد أشهر كاتب في التاريخ , ربّمَا العالم الأكثر عبقريةً في جيلي , وبالتأكيد سيعرضونَ عليّ رئاسةَ البِلاد وسأرفض ! , لا بد من أن يتحققَ هذَا , لهذا قرّرتُ من الآن أن أنقطعَ عن هذَا الوبَاء .
يبدو أنّني لا أدرك ما أفعله حقًا , لقد انتهى الحشيشُ الذي كانَ من المٌفترَضِ أن يكفيني للغَد , لقد نفدَت مخدرَاتي ..
ساكون بالتأكيد أشهر كاتب في التاريخ , ربّمَا العالم الأكثر عبقريةً في جيلي , وبالتأكيد سيعرضونَ عليّ رئاسةَ البِلاد وسأرفض , ولكن قبلَ هذا كلّه لا بد أولاً من مخزون يكفِي من الحشيش !


16 Comments:

Anonymous said...

فعلا رائعة جدا

ومنسقة جيدا من حيث ترتيب الأفكار

وطريقة السرد رائعة

عيبها الوحيد أنها " قصة قصيرة "

ولكنها قصيرا قصرا زائدا عن اللزوم

Anonymous said...

عودة سوداء
لكن القصة رائعة جدا
بانتظار التالي
واتمنى ان يكون قريبا

Anonymous said...

قصة جميلة أبدع فيها القاص أيما إبداع لدرجة أنك قد تتصورها حقيقية !حمانا الله من الإدمان وشفى الله من ابتلي به . شكراً للكاتب وأتمنى له التوفيق والاستمرار بكتاباته الجادة والهادفة والبناءة

أحمد منتصر said...

حلوة يا معلمي :)

slayer said...

جميلة جدا القصة وتصف حال كثير ن الشباب الضائع للاسف !
حبكة جميلة ومنسقة بعناية تحياتي !

كوارث said...
This comment has been removed by the author.
كوارث said...

وسام خليل k-0f-e
اتمنى أن تكون القصةقد أعجبتك حقًا وشكرًا لرأيك ..
بالنسبة للقصر .. فربما يكون القادم أقصر
سياسة جديدة ! .. اشمعنى انا يعني ؟

كوارث said...

Anonymous1
والقادم أسود !
ومن الجميل أن أرى الكثير ممن يتفق على روعة القصة
التالي قريب - ان شاء الله !-
شكرًا

كوارث said...

Anonymous2
عبدالله الهاشمي
أسعدني رايك وزيارتك كثيرًا
انضم اليك في دعاءك وأشكر لك أمنيتك
وفقنا الله واياكم

كوارث said...

أحمد منتصر
واضح !!!

slayer
شكرًا لك
صار لي الكثير من المعجبين !

Anonymous said...

السلام عليكم
كيف حالك ؟
حسنا ..
القصة جميلة .. لغتها جيدة ..طريقة سردك جيدة كذلك ..
المشكلة كلها أنني لم أشعر بكونها قصة قصيرة بقدر ما شعرت أنها قصاصة من مذكرات شخص ما ..السبب جاء من تصريحك المباشر و ذكرك لأمور كأن المتحدث يحوارني وجها لوجه ..
التصريح بما تريد من العيوب كذلك ..
عدم وجود الغموض أو الرمزية و التي أرها روح القصص القصيرة بالمناسبة ..


بالنسبة لي كقارئ لا أستسيغ كثيرا مثل تلك الطريقة ..
لكنها في المجمل جيدة ..

بانتظار جديدك
تحياتي
الساحر ..

كوارث said...

الساحر احمد
شكرًا لتعليقك .. افادني كثيرًا
انا لا اقصد شيئًا بعينه ولا أرمز الى شيء حتى في القصص التي يراها القراء رمزية ..
وباذن الله يعجبك القادم

Anonymous said...

لم تعجبني !
وتعلم لماذا !!
تعلم جيدا للأسف طارق !
غير مقتنعة بفكرتها !
ليس هذا هو الحل !
ولا تعجب بأعجاب الآخرين بالقصة !
فلم يروها سوى قصة !
وأراها حالة شعب وجيل !
غرق في الخطأ حتى انغمس به !
لا مجد مع الحشيش !
ولا ادراك مع المخدر !
ولا احلام مع الاوهام !

JaN DarK

كوارث said...

jan dark
لم تعجبني أنا الآخر ..
اؤيدك !

Anonymous said...

بصراحة هو أسلوب سهل وواقعى وبيشرح المشكلة بالظبط وكمان بعض أسبابها لو الواحد أمعن النظر فى الكلام
جميلة جدا

Anonymous said...

بصراحة هو أسلوب سهل وواقعى وبيشرح المشكلة بالظبط وكمان بعض أسبابها لو الواحد أمعن النظر فى الكلام
جميلة جدا