في ثورة 25 يناير رفع ملايين الثوار لافتة مطالبهم والتي تضمنت إلغاء قانون الطواريء بشكل أساسي وأعلن الثوار سقوط نظام الشرطة سواء بمواجهة رصاصه سلميًا في الشوارع والميادين العامة أو بإحراق الأقسام وخلع ملابس الضباط وضربهم على أقفيتهم في المناطق الشعبية على يد محدودي الفكر من الثوار .
هكذا إنتهى عصر الشرطة بعد أن عرفوا وعرف الناس قوتهم الحقيقية التي لن يتركهم الناس يتجاوزونها مرةً أخرَى وقد فهموا جيدًا أنهم من يمكنون هؤلاء من أداء أعمالهم .
صارت ألعابهم مكشوفة وأكثر ما يثلج صدور الثوار الآن عودة السجين السياسي الذي كان منبوذًا يتحاشاه الناس إلى مكانته كبطلٍ للحرية والرأي , وهذا درس آخر تعلمته الشرطة جيدًا .
الآن وبعد مرور فترةٍ على الثورة ما تزال هناك اشياءٌ غامضة , هل عادَت الشرطة كما تؤكد قياداتها أم لم تعد كما تؤكد الشوارع ؟ ما سر هذا التباطوء في التعامل مع قضايا كل المجرمين المتورطين فيها أو معظمهم موجودون وهذه القصايا التي تخص بضعة أشخاص تؤثر في سير أعمال أكثر من ثمانين مليون شخص ؟
يتضح رويدًا رويدًا أن سبب هذا الترقب هو النيابة و القضاء , هنا تبدأ أسألة عديدة في الطفو على السطح ..
س إذا كانت الشرطة تنتهك حرية المواطن وتلفق له القضية فمن الذي يحقق له ويحيله إلى القضاء ؟
ج النيابة ..
س من اللذين يتمتعون بحراسة الداخلية ويعلمون ما يقوم به رجالها ومع هذا مارسوا دورهم في الصمت و التظاهر بعدم الرؤية ؟
ج النيابة ..
س من التي كانت أداة تلفيق هامة لدى النظام ولعل في أيمن نور خير مثال على تجاهلها له وما يحمله من أدلة تبرأه ؟
ج النيابة ..
س من الذي حقق مع المعتقلين السياسيين ولفق لهم التهم المختلفة وكان أداة جائزة أخرى في يد النظام ضد من يريده من نشطاء المعارضة ؟
ج النيابة ..
س ما هو الجهاز الحساس الذي يمكن العمل فيه بالتوريث أو بالرشوة أحيانًا ؟
ج النيابة ..
ثم يتبقى السؤال الأهم والأبرز وهو الذي ستجيب عنه أنت بنعم أو لا ..
س هل تستطيع الشرطة أن تمارس فسادها أو تكمله دون فساد النيابة ؟
إجابتي : لا طبعًا !!
حتى تكتمل أركان القضية الفاسدة فإن النيابة تكون ضلعًا فيها بل هي الضلع الأهم والذي يحيل للمحاكمات الظالمة بدورها , هي التي تسمع وتستجوب وتحلل وتمحص وتخلي السبيل وتحيل للطب الشرعي وتقدم للمحاكمة ..
بإختصار هي التي تتمكن من التلاعب في كل النتائج أو الحفاظ عليها ..
هي التي تتعاون مع الشرطة وتساعدها وهذا البديهي , ولكن الفساد أكل هذه العلاقة كما أكل كل شيء , فلا نعلم هل تشجع النيابة الشرطة على الفساد وهذه كارثة , أم تجبر الشرطة النيابة على التغاضي عن فسادها ؟ وهذه كارثة أكبر وأعظم .
الأمر لا يعدو هذين الإفتراضين وكلاهما سيء جدًا , هناك وكلاء نيابة وقضاء ومستشارين ومعاونين هم أمثلة في الشرف والعدل والنزاهة , ولكن الغالب كما إعتدنا , العناصر الغالبة في كل موظفي مصر , الغالب في النيابة والقضاء كالغالب في الشرطة تمامًا , فاسد , هذه حقيقة واضحة كالشمس مهما تظاهرنا بأننا لا نراها .
إن إستقلال القضاء لا يعني جعل رجاله منزهين عن الخطأ مرفعين عن الفساد بعيدين عن المسئولية , خاصة أننا نعلم أن الموجود الآن هو ذاته الصوري الموجود في عهد مبارك وأداته , ورغم أنه يفترض بالقاضي الحياد والأخلاق والعلوم التي تعينه في مهمته ولكننا نعلم جيدًا أن الواسطة والرشوة وأبناء العاملين أسلوب متبع وكان أساسيًا في هذا الإتجاه , وبعض من يوظفون بهذا الأسلوب ليسوا دائمًا مؤهلين لوظائفهم ..
إن النيابة الحقة هي التي تنحاز للمتضرر وتعالج مشكلته , لا تلفق له التهم ولا تعطل الشرفاء ولا مصالحهم ولا تأخذ أحدًا بغير ذنبٍ أو بذنب قريب له أو صديق , كما أن القضاء الحق هو الذي يؤمن أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بأدلة مادية قاطعة .
رأيي أن الأهم بعد ثورة 25 يناير ليس إصلاح الشرطة فقط .. بل كذلك النيابة والقضاء ..
هذا هو العاجل الذي يحقق العدالة وأتمنى أن ينجح الثوار في توحيد الصفوف لتحقيق ذلك فما تزال قائمة الأشياء التي لا بد أن ينالها التغيير لتحقق الثورة مطالبها طويلةً جدًا .